نجحت حركة حماس في استئناف العلاقة مع سوريا، بعد عشرة أعوام من الانقطاع، وقد شكّل انعقاد اللقاء الأول للأشقاء مع الحركة والفصائل الفلسطينية تاريخًا ومحطة مفصلية ذات أهمية بالغة، سيكون لها انعكاسات إيجابية، باعتبار أن الأيديولوجيا حاضرة بين كافة الأطراف منذ سنوات، والتجارب لم تغب نتائجها المهمة التي أثرت بشكل إيجابي على الساحة الفلسطينية في الفترة الماضية، كما أن سوريا كانت وما زالت محورًا داعمًا وبعمق للقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة، إذ لا تخلو أي علاقة بين البُلدان من حالة تعثر في سياق ما تمر به المنطقة من متغيرات وتحالفات أدت لإعادة تشكيل وبناء النظام الدولي من جديد، حيث إن المستهدف من التحالفات الدولية التي تتشكل هي المنطقة العربية وبالتحديد محور المقاومة الذي يناهض الاحتلال والاستعمار الأمريكي في الشرق الأوسط، كما فشل الاحتلال في تحييد أي طرف من أطراف المحور، أو التفرد به في ظل معركة أدمغة شرسة يحاول من خلالها العدو الصهيوني قمع الوعي والفكر العربي المقاوم.
تسعى حماس للعمل وفق إطار وحدوي يحقق رؤية شاملة للقضاء على الفكر الصهيوني الذي يتمدد في المنطقة بحكم وقائع فرضها النظام الدولي، وبحكم قرارات أمريكية ظالمة، دفعت العالم نحو الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بحيث ينبغي أن تتشكل جبهة عربية مقاومة للاحتلال، تعمل على حماية المنطقة وتحفظ مقدراتها ووزنها العربي المؤثر على الساحة الدولية، وعودة الدول العربية إلى سياقها الطبيعي كمركز ثقل لها حضور وتأثير على كل الساحات، بحيث يضمن ذلك الإيمان المطلق بمقاومة الاحتلال والدفاع عن قضية فلسطين والقدس، من خلال ضخ دماء وطاقات فاعلة في تجسيد المشهد العربي كوحدة واحدة ومترابطة.
لن يتحقق ذلك في ظل قطيعة البلدان العربية، بل بتصفير كل الخلافات، وإنهائها، وتحجيم الدور الصهيوني الذي يتدخل في الشؤون الداخلية لقضايا الأمة، إذ يكرس الاحتلال هذا النهج، ويعمل على تمزيق الوحدة العربية، ويستخدم كافة أدواته لمواصلة الشرخ الذي أصاب المنطقة، وبالتالي بات خيار لم الشمل هو التوجه الأقرب والأصوب لمجابهة الاحتلال وإنهاؤه.
إن ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مؤامرات أمريكية وصهيونية، يدفع حركة حماس نحو البحث عن شركاء استراتيجيين تربطهم وحدة الهدف، كسوريا ولبنان، وتجمعهم استراتيجية واحدة، باعتبار أن الساحتين اللبنانية والسورية تلعبان دورًا مهمًا في احتضان ووجود الشعب الفلسطيني على أراضيها، فأينما وُجِد الفلسطينيون وُجِدت حماس، باعتبارها مكون رئيس من مكونات القضية الفلسطينية، حيث تعمل حماس على جلب حقوق اللاجئين في مخيمات اللجوء بالمنطقة، وهو ما أعلن عنه رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، حيث كشف عن جهد تبذله الحركة لتخفيف معاناة فلسطينيو الخارج، وحصولهم على حقوقهم التي توفر لهم حياة كريمة وآمنة، وأن تُكرَم ضيافتهم، وتُحسن معاملتهم؛ إن هذه الحالة تمثل أيضًا أحد الأبعاد المهمة التي سبق ذكرها لاستئناف العلاقة بين حماس وسوريا.
صحيح أن الطريق مليئة بالألغام والتحديات، في ظل رفض الكثير من الأطراف لهذا التقارب، لكن التاريخ الذي شهد لسوريا ومواقفها المشرفة تجاه فلسطين، وشهد للإبداع الذي وصلت له حماس في حماية القضية الفلسطينية، ودورها السياسي الذي يحافظ على نسق علاقاتها الخارجية، سيكون حاضرًا وداعمًا لتهيئة الأجواء وبناء شراكة حقيقية تجمع شمل الأمة وتفرق أعدائها.