كل شيء مستهدف في المدينة المقدسة، حتى أشجار زيتونها التي تكبر الاحتلال بمئات السنين لذا يحرص المستوطنون على اقتلاعها وسرقة ثمارها.
وتعتبر شجرة الزيتون شرف كل فلسطيني يسعى لامتلاكها لأنها تذكره بالأرض وضرورة التمسك بها.
وتأتي الاعتداءات على أشجار الزيتون لما لها من مكانة كبيرة لدى الفلسطينيين خاصة في موسم حصاده، لذا يواجه المقدسيون ومزارعو الضفة اعتداءات مستمرة من المستوطنين الذين يتبعون سياسات ممنهجة للتنغيص عليهم وقت الحصاد، فمثلا يتركونهم طيلة اليوم يقطفون الزيتون، وفي آخر النهار يهجمون على شكل قطعان لسرقته ثم يضربون صاحب الأرض، فلا يتجرأ الأخير على تقديم شكوى كونه يدرك أنهم بعد ذلك سيأتون لحرق أرضه انتقاما منه.
ومنذ بدء موسم الزيتون يواجه المزارعون في القدس وتحديدا في منطقة وادي الربابة -المنطقة الخضراء الأقرب لسور القدس القديمة والمسجد الأقصى- اعتداءات شبه يومية من المستوطنين (الإسرائيليين) تصل في بعض الأحيان إلى حد الاشتباكات.
يذكر أن الاستيطان يهدد أراضي حي وادي الربابة البالغة مساحتها 200 دونم، بإقامة “حدائق توراتية” عليها، كما يخطط الاحتلال إلى إقامة قاعدة للقطار الهوائي التهويدي في الحي، إضافة إلى جسر معلق ومركز سياحي ومنشآت تهويدية أخرى، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية.
تغيير جغرافيا المكان
ومنذ بدء موسم القطف وجهت عشرات العائلات المقدسية في وادي الربابة نداء إلى لجنة الحي في بلدة سلوان والضواحي المجاورة، للمساعدة في القطف بأسرع وقت قبل أن يستفرد الاحتلال ومستوطنوه بالأشجار.
وجاء نداء الأهالي ردا على دعوة جمعية "إلعاد" (الإسرائيلية) المتطرفة المستوطنين لخوض تجربة القطف في الوادي، ورصَد الأهالي عناصر من جيش الاحتلال يقطفون الزيتون بداية الموسم.
وهرعت 50 عائلة مقدسية منذ بدء قطف الزيتون إلى أراضيها في وادي الربابة، وصمدت لآخر لحظة رغم قمع الاحتلال وإطلاق القنابل الغازية.
وتوجد "فزعة" في الموروث الفلسطيني منذ عشرات السنين وتعني النفير لتقديم المساعدة والعون لمن يحتاجها في مواجهة أي اعتداء يتعرض له خاصة من المستوطنين وجنود الاحتلال.
يقول حسن خاطر المختص في الشأن المقدسي، إن استهداف شجرة الزيتون ليس جديدا على الاحتلال، كونها أحد ملامح الهوية الفلسطينية والأرض، وجزءا من تاريخ البلاد، موضحا أنه ومنذ وطأت أقدام الاحتلال الأرض وحتى هذا اليوم يعمل لتغيير الواقع والجغرافيا والهوية والملامح الدينية والثقافية للبلاد.
وأكد خاطر في حديثه "للرسالة نت" أن الاحتلال ارتكب جرائم كثيرة في اقتلاع شجر الزيتون ليس في مدينة القدس وحدها بل في جميع مدن الضفة وقراها وحتى قطاع غزة، مشيرا إلى أنه رغم تدني عدد أشجار الزيتون بالقدس مقارنة مع بقية المدن إلا أن الاحتلال يتعمد قلعها كونه يريد رسم جغرافيا المكان بالطريقة التي يريدها.
ووفق رؤيته، فإن من أسباب دفع الجمعيات الاستيطانية المستوطنين القيام بقلع أشجار الزيتون وسرقتها، هو الأحداث الجارية والانتفاضة المستعرة في وجه المحتل، فكان لتلك الأحداث دور في تحريك هؤلاء المتطرفين للانتقام من الفلسطينيين.
وعن استهداف أراضي حي الربابة، يؤكد أن الاحتلال يركز على المسجد الأقصى ومحيطه لتغيير ملامح المنطقة كون أشجار الزيتون تستحوذ على نسبة كبيرة من أراضيها، لذا يريد قلعها ليثبت أنه صاحب الأرض من خلال تغيير معالم المنطقة الجغرافية والتاريخية.
وحول دور المتضامنين مع أصحاب الأراضي ومساعدتهم، ثمن قيامهم بمساندة أصحاب الأرض في قطف المحصول، معتبرا أن "الفزعة" ما هي الا دليل على تعزيز انتماء الفلسطيني لأرضه.
وتجدر الإشارة إلى أنه في 3 أغسطس/آب، اقتلع المستوطنون جذعا كبيرا من شجرة زيتون عمرها مئات السنين، ضمن نشاط مشترك لسلطة الطبيعة وجمعية إلعاد (الإسرائيليتين).
وفي الشهر ذاته، أطلقت بلدية الاحتلال في القدس مهرجانا سياحيا صيفيا أسمته "أوتو فود" في وادي الربابة، لاجتذاب آلاف المستوطنين من القدس وخارجها، واحتوى مجمعا للطعام ومنصات للحفلات الموسيقية وأكشاكا لبيع وشرب الخمور، واستمر حتى نهاية الشهر.
ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967، سيطر الاحتلال على معظم أراضيها بحجة قانون "حارس أملاك الغائبين"، بينما يسعى منذ سنوات إلى مصادرة بقية الأراضي بحجج عديدة أبرزها "البستنة وإقامة حدائق وطنية".