الرسالة نت – وسام عفيفة
لم يكون «جون جينج» مجرد مديرا لعمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة بل جمع في ثنايا عملة السياسة، وشؤون الإغاثة، والدبلوماسية ، وتمكن من الاطلاع على تفاصيل الحياة في غزة، وترك بصماته على برامج الوكالة خلال فترة عمله منذ توليه منصبه في الأول من فبراير 2006م.
اختيار كينج لعمل في غزة كان بمثابة اكتمال لدائرة العمل في المناطق الساخنة ,فقد عمل قبلها في منطقة البلقان؛ كرئيس الأركان في المهمة التابعة للأمم المتحدة في «كوسوفا.
وبدا لافتا اهتمام كينج في ملف التعليم خلال فترة عمله وربما يرجع اهتمامه « بالتعليم الفلسطيني إلى خلفية شخصية حيث جذوره الأيرلندية الفقيرة (كما يقول في حوار سابق مع الرسالة)، فقد تعلم في مدارس ذات إمكانات محدودة، كما تلقى تدريبات عسكرية، وكان يمكن أن يكون من بين المقاتلين الأيرلنديين الذين خاضوا صراعاً مع بريطانيا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لكن فرصة التعليم التي أتيحت له جعلته يحوز درجتين جامعيتين بعد تخرجه في الدراسات القانونية، وهما علم الاجتماع والعلوم السياسية.
ويذكر «جينج» هذه الخلفية للفلسطينيين ليوضح لماذا جاء ليركز على التعليم ,فقد نقل اهالي الطلاب في غزة لمدير عمليات الوكالة مع بداية توليه لمهامه خيبة أملهم لتدني مستوى التعليم الفلسطيني، وقد بادر بعد ذلك بسلسة خطوات في قطاع التعليم أثارت جدلا في البداية ,إلا انه كان يرد دائما انه استطاع إيقاف التدني في المستوى وإنهاء سياسة الترفيع الآلي، لأن هناك حاجة للتركيز على الأجيال القادمة".
"جينج" الدبلوماسي كان يتحدث عن الحلول أكثر من الحديث عن المشكلات والأزمات، وهو يعالج مشكلاته في غزة كدبلوماسي يبحث عن اجابات ,في المقابل كان يعترف بالواقع المرير وكشف أن مجموع ما تقدمه الدول العربية للوكالة لا يتعدى 1% من إجمالي المساعدات المالية، وهي نسبة أقل مما تقدمها دولة مثل «لوكسمبرج.. كما كان "كينج" صريحا في بعض الأحيان, ولم ينفِ أن هناك مساعدات مشروطة يتم تقديمها للوكالة، خصوصاً من قبل الجهات الأمريكية الداعمة.
عمل «جينج» سابقاً في العديد من المناطق الساخنة، فقد انتُدب للعمل في رواندا خلال الحرب الأهلية وحملات التطهير العرقي، حيث أشعل مصرع رئيسَيْ بوروندي ورواندا في حادث سقوط طائرة إثر هجوم صاروخي في أبريل 1994م جذوة مذابح مكثفة لعدة أسابيع؛ قُدِّر عدد ضحاياها بما يناهز مليون نسمة، وكان من الواضح أنها أعمال إبادة جماعية.. وعمل أيضاً في منطقة البلقان - وتحديداً في كوسوفا - لمدة ثماني سنوات، ثم انتقل من كوسوفا إلى غزة.
ربما حظه العاثر في غزة جعله يقضي معظم فترة عمليه في ظل الحصار المفروض على غزة ويشهد الحرب القاسية خلال 2008-2009 .
عقب الحرب كان يأمل أن تؤدي زيارات العديد من السياسيين الأوروبيين أو الأمريكيين الذين زاروا غزة وصدمتهم الوقائع على الأرض الى تغير النظرة ، كان يعول على تغيير الظروف التي يعاني منها القطاع تحت الحصار وغياب العدالة.
«جينج» اعترف في "حوار سابق للرسالة " بأن المجتمع الدولي ومجلس الأمن فشلا في حماية المدنيين و أن أهل غزة دفعوا الثمن لأنهم قالوا: "لا".
كما اعترف جون جينج» أن الاونروا مستهدفة من خصوم الشعب الفلسطيني، ويرى أن الخصوم يرغبون في إنهاء دور الوكالة لأنها تعّبر عن هوية اللاجئين وتبقى قضيتهم حية، مشيراً إلى أن حق العودة لن يُنتزع من الفلسطينيين وسيبقى قائماً طالما كان هناك لاجئون، وأن الـ«أونروا» ستظل شاهداً على ذلك.
كينج نفذ حملة تطهير في مؤسسة الوكالة مع بداية توليه لمنصبه مما أدى إلى إطلاق النار عليه , حيث تعرض في مارس 2007م لمحاولة اغتيال فاشلة استهدفت موكبه بينما كان يسير في الطريق إلى محل إقامته في مدينة غزة بعد اعتراض مسلحون مجهولون سيارته التي كان يقودها متوجهاً من معبر «بيت حانون» إلى مقر إقامته في المدينة، وأطلقوا عليها أكثر من 11 رصاصة لم تخترق السيارة المصفحة ضد الرصاص، دون أن يسفر الحادث عن إصابته هو ومرافقيه ، لكنه بقي مصرا على ان هناك استنزاف في الإنفاق على العاملين فيها وليس على اللاجئين، وإهدار أموال في برامج الخدمات والمساعدات دون ضبط أو تقنين.
"كينج" خاض تجربته بينما كانت حركة حماس تدير القطاع وتقود الحكومة ,وفي ظل فرض حصار وعزلة سياسية عليها , لكنه كان شاهدا على استتباب الأمن في غزة.. الأمان تحت حكم حكومة «حماس» المتهمة بالتشدّد و«الإرهاب» من الغرب.
مدير عمليات الـ«أونروا» جاب قطاع غزة من جنوبه حتى شماله، يلتقي شخصيات فلسطينية مختلفة، بمن فيهم المحسوبين على حركة «حماس»، وتعاون مع حكومة غزة وتمكن من خلق حالة تفاهم متجاوزا بعض الأزمات العابرة»
"جينج" يغادر منصبه ويترك غزة وهو يؤمن ان وكالة الغوث ليست مجرد هيئة للإغاثة والمساعدات؛ بل تشكل جزءاً من هوية اللاجئين الفلسطينيين السياسية وشاهد أساسي على النكبة وحق العودة.