ربما هي الدولة المختلف عليها، والتي رغم حديث كتب التاريخ عن كرم مؤسسها وازدهار الحياة في عصره إلا أنه هو أيضا رجل مختلف عليه، وهي الدولة الطولونية ، وحكاية مؤسسها أحمد ابن طولون، أول دولة تستقل عن الدولة العباسية .
ولكن غير المختلف عليه في هذه الرواية هي روعة السرد، والأحداث التاريخية الدقيقة التي تجعلك وكأنك ولدت في عصر الدولة الطولونية وبنيت مدينة القطائع حجرا حجر مع مؤسسها أحمد ابن طولون في ثلاثية رائعة للكاتبة ريم البسيوني.
ربما لم يسمع كثير منا عن مدينة اسمها القطائع، ازدهر فيها البناء ولم يبقى منها سوى جامع أحمد بن طولون الذي لا نعلم كيف نجى من معاول محمد بن سلمان القائد العباسي الذي انتهت على يديه الدولة الطولونية وهدم كل بيت وقصر بديع في عاصمتها القطائع.
الجميل في الرواية أنها تجعلنا نتخيل الجندي المجهول في كل مرحلة تاريخية والذي لم تتحدث عنه كتب التاريخ ولم يعرفه أحد، والذي استطاع أن يقدم شيئا إنسانيا لإنقاذ المدينة أو بناءها وهذا الذي ميز رواية وأسلوب الكاتبة، فهناك أنس، وعبد الرحمن، وميسون، وحارسة الهرم ، كل هؤلاء أبطال شاركوا في بناء القطاع من وجهة نظر الكاتبة التي خلطت الخيال بالحقيقة بشكل مذهل وحبكة جميلة.
حضور المرأة في الرواية كان قويا، المرأة التي تثور دول وتقوم دول وتسقط دول لأجلها، بدأ بميسون التي أحبها والي الخراج وأدت إلى هلاكه في الجزء الأول من بناء الدولة الطولونية وانتهاء بقطر الندى التي كانت سببا من أسباب سقوط الدولة التي لم تستمر أربعين عاما، ومرورا بعائشة البطلة الوحيدة المتبقية من أبناء ابن طولون والتي استطاع الجندي عبد الرحمن العربي البدوي زوجها أن يحافظ عليها من القتل وأن يحفظ لها مسجد والدها كمعلم وحيد متبقي من أثر الدولة والأسرة الحاكمة قصيرة العمر.
تميزت الدولة الطولونية وعاصمتها القطائع تحديدا بتطورها وبناءها وكرم مؤسسها وحياة البذخ والرخاء التي كان يعيشها سكانها، ولعل أجمل ما يثير في هذه الرواية هي قدرة الكاتبة على جمع كل وجهات النظر التي كتبت في أحمد ابن طولون ، منهم من رآه رجل البناء والكرم والعطاء، ومنهم من رآه القاتل الذي يجب أن يقتل .
الرواية تقع في حوالي 700 صفحة، دسمة، مليئة بالمعلومات التاريخية والتحليلات الإنسانية، بلغة جميلة قريبة للقلب تدعو للتأمل رواية تستحق القراءة