قائد الطوفان قائد الطوفان

كانت لغة البلاد لـ4 قرون.. هكذا أصبح واقع اللغة العربية في إيران

الرسالة نت - وكالات

قد يلتبس الأمر على الزائر العربي إلى بلاد فارس أنه لم يخرج من الوطن العربي، إذ تشبه بعض المدن الإيرانية نظيراتها العربية في اللغة المحكية والملبس والثقافة، إلى جانب اللافتات التي خطت بحروف عربية لكنها ليست باللغة العربية.

ولا يقتصر هذا الشعور على محافظة خوزستان الواقعة جنوب غربي إيران، وإنما حرص عرب إيران منذ عقود على التمركز في مناطق وأحياء أضحت مقصدا للزوار العرب، منها حي دولة آباد جنوبي العاصمة طهران وبلدة الشهيد بهشتي قرب مدينة مشهد (شمال شرق البلاد)، حيث استقر نازحو الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) هناك.

وسواء كان الزائر العربي في هذه المناطق أو غيرها من إيران فإنه لن يواجه مشكلة كبيرة في التواصل مع الإيرانيين الذين اعتمدوا العربية لغة رسمية طوال 4 عقود تلت دخول الإسلام إلى بلاد فارس عقب سقوط الإمبراطورية الساسانية.

عجمة المتحدثين

وأدى النتاج العلمي والأدبي للعلماء والمفكرين الإيرانيين خلال تلك الحقبة إلى تبادل ثقافي وأدبي واسع بين العربية والفارسية رغم اختلافهما في الجذور اللغوية، إذ إن الفارسية مشتقة من اللغات الهندو أوروبية، في حين أن العربية تنتمي إلى فصيلة اللغات السامية.

ورغم الحملات التي أطلقتها بعض الحركات القومية الداعية للعودة إلى الفارسية وتطهيرها من المفردات الدخيلة فإن العربية أصبحت اللغة الثانية بعد الفارسية بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 وفقا للمادة الـ16 من الفصل الثاني بالدستور الإيراني.

ومنذ ذلك الحين أضحت الجامعات الإيرانية تدرّس العربية بشكل أعمق لطلبة فروع الشريعة والحقوق والفلسفة والآداب، ناهيك عن فروع اللغة العربية وآدابها وترجمة الأدب العربي ودراسات الترجمة في اللغة العربية وآدابها التي تخرج فيها عشرات آلاف الطلبة طوال العقود الأربعة الماضية، إلى جانب المدارس الدينية والحوزات العلمية التي تعتمد اللغة العربية بشكل رسمي.

وبعد أن شهدت معاهد تعليم اللغة إقبالا متزايدا على تعلم العربية في إيران خلال العقود الماضية صارت تشكو قلة الطلبة الراغبين بتعلم العربية منذ أكثر من عقد، مما انعكس سلبا على واقع اللغة العربية التي تعاني عجمة المتحدثين بها (من غير العرب الإيرانيين) في الشارع الإيراني.

لغة الحضارة

بدوره، يعزو أستاذ اللغة العربية في جامعة طهران الدكتور محمد علي آذر شب سبب ضعف مهارة المحادثة لدى خريجي اللغة العربية في إيران إلى الإفراط في الاهتمام بقواعد الصرف والنحو، مستدركا أنه لا يمكن غض البصر عن أثر تقويض العلاقات بين إيران والدول العربية في تراجع إقبال الإيرانيين على تعلم اللغة العربية خلال الفترة الماضية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر آذر شب أن إمام النحو العربي عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ"سيبويه" كان إيرانيا من ضواحي مدينة شيراز مثله مثل مؤسس علم البلاغة العربية صاحب كتابي "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني الذي لم يخرج من بلاد فارس قط، إلى جانب علماء وأدباء آخرين تركوا بصمة غنية في الأدب العربي.

وتابع أستاذ اللغة العربية في جامعة طهران أن الأوساط الأكاديمية في بلاده تعتبر العربية لغة الحضارة الإسلامية وليست لغة أجنبية، إذ لا تزال تدرّس في كلية الآداب إلى جانب فرع اللغة الفارسية وآدابها، في حين أن العديد من لغات العالم تدرس في كلية اللغات الأجنبية.

واعتبر آذر شب أن الخلافات الطائفية والمذهبية تنهش جسد الأمة الإسلامية وتبعّد بين شعوبها، مؤكدا أنه كلما ازدادت الحضارة الإسلامية لمعانا زاد الإقبال على تعلم لغتها العربية.

ورغم التراجع في الإقبال على العربية فإن شريحة محدودة من الإيرانيين الراغبين بتنمية محادثة العربية يقصدون معاهد تعليم اللغات، إلى جانب المعاهد الأخرى التي تديرها بعض السفارات العربية في العاصمة طهران والصفحات المهتمة بتعليم اللهجات العربية على مواقع التواصل الاجتماعي.

أهل اللغة

أما عن واقع اللغة العربية لدى عرب إيران فيقول الكاتب والباحث سعيد بوسامر إن علوم اللغة العربية ترفرف في سماء الأهواز التي بقيت متمسكة بهويتها رغم تقاعس شريحة من أبنائها عن هويتهم ولغتهم، مستدركا أنه خلافا للأعوام الأولى من القرن الـ21 فإن الجهود الجبارة التي بذلها أبناء هذه الأرض أثمرت، وإن المجتمع الأهوازي معروف اليوم بعروبته داخل إيران وخارجها.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر بوسامر أن للندوات الأدبیة ومهرجانات الشعر العربي بصمة بارزة في بلورة الهوية وأهمية اللغة العربية لدى المجتمع، مما ساهم في نشر نتاجه العربي وإثراء المكتبة بالكتب والمقالات، إلى جانب الأقلام التي أثرت الإعلام العربي وأثرت إيجابا على معرفة الشارع الأهوازي أكثر فأكثر بهويته ولغته.

وخلص الباحث الإيراني إلى أن ما يميز عرب إيران عن سائر القوميات الأخرى في البلاد هو نتاجهم بالعربية، مثل الدواوين الشعرية والمجموعات القصصية والروايات، مؤكدا أن احتفال بعض الأسر الأهوازية بالیوم العالمي للغة العربیة ونشره على مواقع التواصل أديا إلى تزايد الوعي الشعبي وإبراز أهمية لغة الأم في حفظ كينونة المجتمع وتحديد ذاته في ظل نفوذ اللغة الفارسية الرسمیة في المدارس والدوائر والإعلام.

المصدر : الجزيرة

البث المباشر