عادةً من يحارب المحتوى الفلسطيني "الكلمة، والصورة، والفيديو" هو الاحتلال (الإسرائيلي) من خلال تعاونه مع القائمين على منصات التواصل الاجتماعي؛ لإغلاق صفحات تروج للرواية الفلسطينية، أو ملاحقة النشطاء والصحفيين واعتقالهم أو قتلهم.
ليلة أمس لم تكن عادية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما استلم رسام الكاريكاتير محمد سباعنة -الذي يعمل في صحيفة الحياة الجديدة- قرار فصله.
كتب سباعنة في صفحته على الفيسبوك: "وصلني اليوم قرار فصلي من صحيفة الحياة الفلسطينية، متذرعين بأنها أسباب تخص المؤسسة، علما أنني قد علمت سابقا بحالة الغضب على العمل المرفق، وأنه السبب الحقيقي خلف قرار الصحيفة والمسؤولين عنها".
وتابع: "قمت بهذا العمل بعد استشهاد جواد بواقنه وأدهم جبارين؛ رفضا لحالة الصمت والعجز التي وصل لها المستوى السياسي، كرد فعل طبيعي كابن لهذا البلد".
وبحسب ما ذكر، فإن رئيس تحرير الصحيفة تذرع بأن السبب هو "إيجاد طاقات شابة"، معلقا بتهكم: "في نيوزيلاندا عايشين!"، مشيرا إلى أنه لم يستغرب قرار فصله من الصحيفة.
وذكر أنها ليست الأزمة الأولى على مواقفه وأعماله، قائلا: "وعليه ليكن بمعلوم الذين اتخذوا القرار إن كان الهدف من إيقاف نشر أعمالي أن توجعوا محمد سباعنة (..) فإنني موجوع على شهداء جنين الذين يرتقون يوميا، وموجوع على أسرانا".
وأضاف: "إذا كان قرار فصلي هو نتيجة لوقوفي مع أهلي في جنين ومخيمها ونابلس وبلدتها، فما أرخص ما دفعت من ثمن إذا ما قورن بحذاء طفل لم يجف دمه في جنين".
ويجسد رسم الكاريكاتير المذكور رجلاً شبيها بالرئيس محمود عباس وهو يضع يده على فمه، مع عبارة: القيادة تدرس خياراتها.. ندين.. نشجب.. نستنكر".
وقال سباعنة في تصريحات صحفية، إنه سيرفع دعوى فصل تعسفي وفق القانون ضد صحيفة الحياة الجديدة على هذا القرار.
وأبدى قلقه من ملاحقة الأجهزة الأمنية تبعاً لهذا القرار، قائلاً: كل شيء وارد، ولن أصمت، وسأضع المؤسسات الدولية المعنية بحماية رسامي الكاريكاتير في صورة الوضع.
ويذكر أن عمر الرسمة 10 أيام، وقضى سباعنة في صحيفة الحياة 15 عاماً، إضافة إلى 7 سنوات عمل فيها متطوعا.
سباعنة بين أفضل 10 سفراء
حالة من التضامن شهدتها منصات التواصل الاجتماعي من النشطاء ورسامي الكاريكاتير دعما ومناصرة لسباعنة، وكان من بين المتضامنين علاء اللقطة، رسام الكاريكاتير الذي رسم كاريكاتيرا تضامنيا مع زميله، وهو عبارة عن كماشة تقتلع رصاص القلم، وكتب على صفحته: "تضامنًا مع رسام الكاريكاتير الفلسطيني الزميل محمد سباعنة، الذي صدر قرار بفصله من صحيفة الحياة الجديدة على خلفية رسوماته الوطنية".
في حين علقت الناشطة هامة زيدان على صفحتها على فيسبوك، قائلة: "السلطة بتقتل حالها بإيدها، حد بكون عنده مبدع وفنان زي محمد سباعنة وبفصلو، محمد اشتغل للقضية أحسن من عشر سفراء، فنّه أوصل القضية لكل العالم وهيك بتكافأ من مؤسسة تابعة للإعلام العمومي اللي احنا كمواطنين بنموله بالضرائب اللي بندفعها".
وفي ذات السياق، علق الصحافي جاد قدومي قائلا: "الفيسبوك منصة مهمة في البلاد اللي أصحابها ما بمتلكوا مين بمثلهم (..) هذه المنصة تحاسب أحياناً وتحشد أحياناً وتؤثر في كثير من مجريات الأحداث".
وأضاف: "هنا كلنا تحت سيطرة تقنية يمتلكها أصدقاء أعدائنا، رأيك اللي كان يوصل آلاف، بقدروا يحجموا الوصول حتى لا يتعدى العشرات، حتى لو حشرنا في كهوف، وصوتنا لا يصل إلا للأشباح، تبقى كلمة الحق النقية المجردة من أي اعتبار ما تنطقه ألسنتنا وما تخطه أيدينا".
رسامة مفصولة سابقا
رسامة الكاريكاتير أمية جحا أعلنت تضامنها بشدة مع زميلها سباعنة، وربما تشعر بما جرى معه أكثر من بقية الزملاء، خاصة أنها مفصولة مثله من الصحيفة ذاتها منذ العام 2019 دون أي تمهيد لفصلها، عدا عن حجب رسوماتها منذ 2007.
تقول جحا "للرسالة نت": إن ما جرى معها ومع سباعنة هو أسلوب من أساليب القمع الفكري وقمع الحريات في ظل وجود الاحتلال والسلطة التي تسعى لإرضائه على حساب الشعب، مشيرة إلى أن فصل سباعنة آلمها كثيرا، رغم أنه ينتمي لتنظيم فتح الذي تدعمه الصحيفة.
وذكرت أن ما فعله سباعنة لا يستحق أن يعاقب عليه، موضحة أنه جسد الحقيقة بريشته حين عبر عن موقف السلطة تجاه كل الممارسات (الإسرائيلية).
وطالبت السلطة بالحد من ملاحقة أصحاب الريشة، وضرورة فتح باب الأفكار والإبداع، مشيرة إلى أن الاحتلال كما يخشى السلاح فإنه يحسب ألف حساب للمقاومة الفكرية والإنسانية التي يندرج تحتها فن "الكاريكاتير".
وتتمنى رسامة الكاريكاتير أن تراجع السلطة حساباتها في التعاطي مع أصحاب الرأي والقلم والريشة.