لم تبدأ أحداث الليلة الماضية فعليا بعد منتصف الليل وإن ظهرت في الصورة كذلك، بل بدأت قبلها بأسبوع مع دعوات المتطرفين فرض ما يسمى قربان عيد الفصح بالقوة ورصد الجوائز لمن يتجرأ على إدخاله إلى باحات الأقصى والقيام بنحره هناك.
الدعوات توالت وسط صمت عربي، وبالأمس استوحش المستوطنون بحماية الجنود الذين يحاولون منذ بداية الشهر الفضيل إخراج المصلين والمعتكفين من باحات الأقصى لفرض سياسة التقسيم، وبالأمس ما بعد العاشرة ليلا وصلت محاولاتهم ذروتها، مع عشية ما يسمى عيد الفصح.
دخل الجنود لإفراغ المصلى المرواني من المعتكفين الذين جاءوا بالعشرات للتمترس في الباحات دفاعا حتى لا يتركوا الأقصى وحيدا.
ولكن المشهد كان مختلفا لمن عاش تلك اللحظة، المرابطة أم وسيم الجلاد صورت لنا المشهد من داخل الباحات قائلة: "كانت الصورة أشبه بليلة القدر، لقد أتى المصلون للرباط من كل مكان من الضفة والداخل المحتل ومن كل قرية ومدينة، وكانت طائرات الاحتلال تراقب المشهد من أعلى، تنتظر أن يقل عدد المصلين، لأنها تخاف الاقتحام مع وجود كل هؤلاء المرابطين".
وتكمل الجلاد: بدأ عدد المصلين يقل شيئا فشيئا مع انتهاء الركعة الأخيرة، وحينما تقلص العدد إلى الربع هجموا على المصلى القبلي وأطلقوا قنابل الغاز واختنقت النساء وأصيب بعضهن، بل وأشعلوا النار في زاوية من زوايا المصلى وبدأنا بالانسحاب من المكان".
وعند الواحدة فجرا أعادت قوات الاحتلال الكرة محاولة اقتحام المصلى القبلي من جهة باب العيادة ومصلى عمر، وأطلقت الرصاص المطاطي تجاه المصلين من الشبابيك العلوية للمصلى.
حرائر الأقصى كن يعتصمن في المصلى، كالرجال تماما يحرسن المكان كقطعة من القلب.
بدأت التكبيرات تعلو في فضاء المكان المبارك، وأصوات الرصاص وقنابل الصوت والقنابل المسيلة للدموع تزيد الخوف في المكان، إلا أن القلوب كانت تطمئن بكلمة الله أكبر والعالم يتفرج من بعيد.
اقتحمت قوات الاحتلال المصلى القبلي، وانهالت بالضرب والاعتداء على المعتكفين من الشباب والنساء، دماء النساء الطاهرة تسيل فوق أغطية رؤوسهن وهن ساجدات، حالات إغماء واختناق داخل المصلى، وإصابات في صفوف المعتكفين.
بدأ والمعتكفون المعتكفات بإطلاق نداءات استغاثة لتدخل الإسعاف بشكل عاجل، بعد تعرضهم للضرب المبرح داخل المصلى القبلي، حتى وصل عدد الإصابات لخمسين، نقلت مباشرة في مشهد يراه العالم كله عبر الفضائيات.
زاد المشهد قتامة حينما افترش المصلون الأرض مصابين وقوات الاحتلال تمنع سيارات الإسعاف من الدخول إلى الساحات لإنقاذهم وإسعافهم من الإصابات بفعل الاعتداء الوحشي على المعتكفين الذي شنته قطعان الاحتلال الصهيوني الإرهابيين.
تكسرت المقتنيات داخل المصلى المرواني، وتكسرت العيادة الطبية، وخرج المعتكفون من جهة حائط البراق ولحق الجنود بالشباب المعتكفين لاعتقالهم من باب العامود. حتى وصل عدد المعتقلين إلى 200 معتقل نقلوا إلى ما يسمى "موتسدات أدميم" وهي قاعدة عسكرية بين عناتا والعيسوية.
ورغم المحاولات المقيتة، كان التصدي كبيرا ومليئا باليقين، وفي ختام ليلة مليئة بدماء الحرائر ودمعاتهن، رفع الأذان، صوتا حقيقيا واحدا للأقصى، باقيا للأبد ولا يموت، دليل على هويتها وديانتها، ينتصر في كل مرة لمعتكفيه، ويعلن أن هذه البقعة إسلامية للأبد وغير قابلة للتقسيم.