لم تكن الدافعية تنقص اللاجئين الفلسطينيين لمواصلة النضال لأجل استرداد حقوقهم المسلوبة وبيوتهم المنهوبة وارضهم المحتلة منذ أكثر من 74 عاما، وفي مقدمتها حقهم بالعودة، الذي كفلته القرارات الأممية.
الا ان أجندة العدو القائمة على استنزاف اللاجئين حد الموت بالحصار بكافة انواعه ومستوياته.
وبالجوع المسلّط عليهم في جميع الساحات، تبقي هذه الدافعية عند حدود تنظيم المبادرات المنشغلة بتأمين لقمة العيش او تحسين نوعية الحياة، عن المطالبة بحقوقهم الأساسية التي كفلتها الشرائع الدولية، او اعلاء الصوت بالمطالبة بحق العودة، الذي بات بالنسبة لكثير من النخب الفلسطينية الجديدة مجرد ديكور يجملون به خطابهم السياسي المنشغل بأمور أخرى تفتقر للتأثير الجاد بالمعنى السياسي العام، كالتأثير الجاد والوجودي الذي يحدثه الخطاب المتمسك بحق العودة على العدو المسكون بهاجس النهاية وموعد الرحيل.
قضية اللاجئين كانت وما زالت تمثل مركزية القضية الفلسطيني، الا ان هذه المكانة تراجعت لصالح أولويات أخرى أكثر هامشية، تماما كالهامش الذي دفع اليه اللاجئون وممثليهم في خارطة العمل السياسي الفلسطيني، الامر الذي يمكن من خلاله فهم سبب عجزنا عن التأثير في خارطة الفعل الفلسطيني، وفشلنا في مواجهة سياسات التهجير الصهيونية، وعجزنا عن مجابهتها، كيف لا وقد فقد ملايين اللاجئين وممثليهم الدور والمكانة المركزية في الدفاع عن حقوقهم في المقاربة الوطنية الفلسطينية.
أجندة العالم حيال قضية اللاجئين الفلسطينيين ونحن نلج عام جديد من أعوام النكبة المؤلمة، تبدو أكثر وضوحا من الاجندة الفلسطينية الرسمية حيالهم.
فالمانحون الدوليون حددوا منذ زمن سقف اللاجئين المعيشي، هذا السقف الذي يهبط مؤشره بشكل تدريجي بشكل يخشى معه سحق اللاجئين تحته، تماما كما سحقت طبقات الباطون ضحايا الزلزال الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين في سوريا تحتها دون ان يتقدم لإنقاذهم أحد، وكالعادة سيصل العالم لهم متأخرا ربما فقط لمواراتهم وقضيتهم الثرى.
وعليه فلا غرابة ان نرى موازنة وكالة "أونروا" تتقلص على مدى الأعوام وتنكمش وكأنه أصابها لسعة الصقيع، كالبرد الذي يلف مخيمات اللاجئين بشكل بات يستحيل معه وقف تدهور أوضاعهم المعيشية.
أما سياسات إنفاق السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت اول من تخلى عن اللاجئين وقضيتهم في اسلو، فمحكومة بسقف المانحين ورقابتهم على موازنتها.
"إن استمرار دفع قضية اللاجئين الفلسطينيين نحو الهامش سياسيا وهامش الهامش في السياسة الفلسطينية الرسمية والفصائلية، ومواصلة حرمان اللاجئين الفلسطينيين من تمثيل حقيقي مؤثر، يعني استمرار تجاهل حق المقاربة المختلة لجوهر الصراع والنضال لأجل وجود الفلسطينيين كشعب ومجتمع، ومزيد من المعاناة والتجريد من الموارد والحقوق وعوامل القوة والفعل والتأثير الضرورية لأجل بناء القدرة الذاتية لمجتمعات اللاجئين الفلسطينيين للدفاع عن ذاتها وحقوقها وقضيتها".*
ان اهم شروط النجاح في احداث تحول لجهة استعادة قضية اللاجئين لمركزيتها في خارطة العمل الفلسطيني، هو امتلاك القدرة والإرادة اللازمة فلسطينيا لانتهاج سياسات مختلفة، من قبل منظمة تحرير، والسلطة، والقوى والفصائل، بشكل يفرض على الفاعلين الدوليين المؤثرين وضع قضية اللاجئين على رأس أجندتهم الدولية.
ان استعادة قضية اللاجئين لمكانتها المركزية في الاهتمام والعمل السياسي الفلسطيني كفيل بفرضها مرة أخرى على اجندة العالم.
كما ا ن استعادة قضية اللاجئين لمكانتها المستحق في خرطة العمل الفلسطيني كفيل بإنهاء بقاء اللاجئين رهائن للجوع ومحاولات توفير القوت اليومي لأطفالهم وعائلاتهم.
وكفيل بوضع حد لحرمانهم من الرعاية الصحية اللائقة.
وكفيل بتوفير الغذاء والدواء كيلا يفتك بهم المرض في مخيمات لبنان.
وكفيل بتعويض النقص في المعدات والمرافق الطبية في قطاع غزة المحاصر.
وكفيل بترميم شبكات المياه والكهرباء المنهارة وإمداداتها شبه المقطوعة في المخيمات السورية.
وكفيل بإلزام الاونروا بتوفير كل ما يلزم ليعيش اللاجئون بكرامة.
وكفيل بتحصيل اللاجئون التعليم اللائق والبناء.
وكفيل بتحسين الدول المضيفة لسياسات التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، وعدم حرمانهم من ابسط الحقوق، وانهاء العزلة المفروضة عليهم.
ان الفلسطينيون قادرون على تعديل زاوية نظر العالم والقوى المؤثرة للقضية الفلسطينية، وتصويب طريقة التعامل معها، عبر إعادة وضع قضية اللاجئين في مكانها المستحق، في رأس سلم العمل السياسي الفلسطيني.