القمة الأفريقية بين الابتزاز وحرية القرار

القمة الافريقية
القمة الافريقية

بقلم: مؤمن بركة

مشهد كان له صداه، حينما اتخذت المفوضية الإفريقية قراراً هاماً يتمثل في طرد الوفد الصهيوني برئاسة شارون بارلي نائبة مدير دائرة أفريقيا في خارجية الاحتلال، جاء ذلك في الجلسة الافتتاحية للقمة الأفريقية التي عقدت في الفترة بين 15 إلى 19 فبراير الجاري القمة الأفريقية، بمقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وعلى طاولتها العديد من الملفات الساخنة التي تموج بها القارة السمراء.

وكان على رأس هذه الملفات قضية قبول "إسرائيل" عضواً مراقباً داخل الاتحاد الأفريقي. وكان الاتحاد الأفريقي، علق قراره بقبول "إسرائيل" مراقباً، داخل الاتحاد الأفريقي خلال الدورة التي عقدت العام الماضي، بعد المعارضة القوية التي قادتها مصر والجزائر وجنوب أفريقيا، وشكلت لجنة برئاسة الجزائر وجنوب أفريقيا لبحث الملف إلا أنه لم يصدر عنها أي جديد خلال أثني عشر شهراً ماضية

وقد مارست "إسرائيل" ضغوطاً على دول القارة، من أجل قبولها عضواً مراقباً، خلال الدورة التي ستنعقد في فبراير الجاري. هناك تعارض داخل الاتحاد الأفريقي بين قبول "إسرائيل" مراقباً داخل الاتحاد، والميثاق الذي وضع حينما أنشئت منظمة الوحدة الأفريقية في ستينيات القرن الماضي، حيثُ أن المادتين الثالثة والرابعة من ميثاق الاتحاد الأفريقي تمنعان انضمام "إسرائيل" إلى الاتحاد. في أكتوبر 2021 فشل وزراء خارجية الاتحاد، في حل الأزمة، فأدرجتها جنوب أفريقيا والجزائر على جدول أعمال قمة رؤساء الدول التي عقدت فبراير 2022. وقررت القمة الماضية للاتحاد التي عقدت في فبراير من عام 2022 تعليق النقاش والتصويت حول سحب صفة المراقب من "إسرائيل" لتجنب مزيد من الانقسام داخل المنظمة، حول القرار الذي يعد خروجاً على تقاليد ومقررات الاتحاد الذي صنف "إسرائيل" تاريخياً كنظام استيطاني عنصري ودولة احتلال. وقد نجحت الدبلوماسية الجزائرية في تعليق عضوية الكيان الصهيوني، واتخاذ المفوضية الإفريقية قراراً هاماً يتمثل في تشكيل لجنة يرأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لدراسة ومتابعة مسألة سحب عضوية "إسرائيل". مشروع قبول "إسرائيل" كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي أحدث انقساماً بين دول معارضة ودول أخرى مؤيدة. الانقسام الإفريقي بدأ يتبلور أكثر بين دول معارضة في مقدمتها الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، ودول مؤيدة بينها المغرب والسودان وتشاد ومالي التي أبرمت اتفاقات تطبيع وأقامت علاقات مع "اسرائيل".

واقع الحال أنه توجد أطماع "إسرائيلية" كبيرة في إفريقيا، كتوسيع سوق السلاح "الإسرائيلي" إلى إفريقيا. كما ترغب "إسرائيل" في تغيير صورتها كدولة محتلة والخروج من عزلتها في مؤسسات الأمم المتحدة حيث يوجد 55 دولة إفريقية تصوت في معظمها لصالح الشعب الفلسطيني وضد دولة الاحتلال. وهناك هدف "إسرائيلي" استراتيجي هو الحصول على موطئ قدم في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. كما يهم "إسرائيل" الوصول إلى الثروات الإفريقية. من جهة أخرى هناك أهداف للأنظمة العسكرية وغير الديمقراطية في أفريقيا حيثُ تجد في "إسرائيل" ضالتها في تدعيم حكمها في مواجهة شعوبها والقوى الديمقراطية التي تطرح التغيير، وتجد في "إسرائيل" البوابة الذهبية للدخول في علاقات مع أميركا. نماذج علاقات "إسرائيل" الإفريقية اقترنت بضغوط وابتزازات كالعلاقة مع جنوب السودان والمغرب والنظام السوداني. والتوغــل "الاســرائيلي" متزايــد فــي أفريقيــا، إذ إن القــوة الصلبــة والناعمــة "لإسرائيل" فــي القــارة شــهدت تطــورات كبيــرة فــي السـنوات الأخيـرة، أبرزهـا تسـارع إقامـة علاقات دبلوماسـية مـع 46 مـن جملـة 55 دولـة أفريقيـة، وتعزيـز الصالـح الأمنيـة والعسـكرية المتبادلة والقائمـة علـى الأمـن والتنميـة والتعـاون فـي مجالات التكنولوجيـا الزراعيـة والصحيـة والطاقـة الكهرومائيـة وغيرهـا. بينمــا افتتحــت 13 دولــة أفريقيــة ســفارات جديــدة بالإضافة إلــى 15 قنصليـة فـي تـل أبيـب، وبهـذا، تُوجـت هـذه العلاقـة بإعلان الاتـحاد الأفريقي قبـول "تــل أبيــب" كعضــو مراقــب فــي الاتحــاد، بعــد 19 عامــاً مــن مطالبتهــا. وبالمجمل يتزامـن الصعـود "الإسرائيلي" فـي أفريقيـا مـع وهـن عربـي وتراجـع لتأثيـر الـدول العربيــة المركزية فــي القــارة بعــد العــام 2011، يرافقــه ضعــف فــي الحالــة الفلســطينية، وهشاشــة فــي دور الاتحــاد الأفريقي الــذي لــم يخــرج مــن كونــه جســماً معنويــاً، خاصــة عنــد الحديث عــن النزاعــات. بيت القصيد أن دولة الاحتلال تنتقل إلى دور إمبريالي يتجاوز الأدوار الإمبريالية التقليدية بعد أن أخضعت المنطقة العربية، والآن جاء دور إفريقيا كمجال لنشر الهيمنة "الإسرائيلية" وتحقيق الأطماع. قد لا تنجح محاولة "إسرائيل" نيل عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي، على أهمية ذلك من الناحية الرمزية والمعنوية، بيد أنه لا ينهي شبكة العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي نسجتها دولة الاحتلال مع دول ونخب عسكرية واقتصادية في طول القارة الإفريقية وعرضها.

البث المباشر