حبه للجهاد في سبيل الله، دفعه لأن يتولى إنشاء الخلايا في حركة المقاومة الإسلامية حماس وينخرط بها ويذوق حلوها ومرها، فماذا ننتظر من شاب تعلق قلبه بالمساجد؟ وانصبّ منهمكاً في طاعة الله عز وجل وليس هذا فقط بل بالبحث عن سبل توصل الناس جميعا لله.
الميلاد والنشأة
نشأ الأسير البطل سليم محمد سعيد حجة المولود في قرية برقه إلى الشمال من نابلس عام 1973م، في كنف أسرة عرفت بتقواها وورعها، عرفت زوايا المسجد جلساته، تعلم في مدراس القرية، وما إن أنهى دراسته الثانوية حتى التحق بجامعة النجاح الوطنية في نابلس ليكمل مسيرة علمه في كلية الشريعة تلك الكلية التي أحبها وأحبته وعمل لها وعملت له، ولكنه افتقدها راغماً على ذلك بعد اعتقاله سنة 1993م، ليتوج شهادته بالفخار والانتصار وكانت تلك أولى اعتقالاته والتي استمرت 60 يوماً في زنازين التحقيق الصهيوني إلا انه أفرج عنه بعده بعدما عجزت القوات الصهيونية عن إثبات أي تهمة عليه.
كانت تلك نبذة مبسطة عن الأسير سليم حجة إلا أن القدر وإرادة سليم أحبت بأن تكون هذه النبذة موسوعة، ومن هنا انطلق سليم حجة في عمله الجهادي والمقاوم منذ عام 1989م عندما انخرط للعمل في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكان أول أعماله تشكيل خلية من عدة شبان في القرية كانوا بمثابة العصي التي اتكأ عليها سليم ليكمل مشواره، واعتقل على إثر هذه الخلية عام 1993م كانت هي المرة الأولى التي يعتقل بها سليم، إلا أن صلابة عظامه وطول جَلده، أبت أن تقوده إلى الاعتراف حول هذه الخلية فاعتقل مدة 60 يوماً في الزنازين الصهيونية.
لم يعترف ثانية
أفرج عن الأسير سليم بعدها وما أن مضت سنة أو أقل وإذا به في المعتقلات الصهيونية ثانية عام 1994م، حُكِمَ على إثرها تسعة سنوات إلا أن تصميمه على عدم الاعتراف خفض عنه الحكم بعدما عجز الصهاينة في التحقيق "العسكري" معه لمدة 70 يوماً قضاها في معتقل الفارعة شمال نابلس، وسجن نابلس المركزي فحكم 6 سنوات، وجاء هذا الحكم كما قالت المحكمة الصهيونية بناءا على اعترافات الغير وليس اعترافه.
عاود سليم نشاطه في العمل مع حركة حماس بعدما أُفرج عنه مرة ثانية في شهر تشرين ثاني من عام 1999م، وذلك بعدما تعرف على الشهيد أيمن حلاوة في السجن والشهيد عبد الرحمن حماد والشهيد أحمد مرشود في بداية انتفاضة الأقصى المباركة.
عمل ثلاثتهم سليم وأيمن وعبد الرحمن، جنبا إلى جنب فكانت أولى ثمار عملهم عملية محولا في منطقة البقعة جنوب مدينة أريحا والتي نفذها هاشم النجار 23عاما ابن قسم الصحافة في جامعة النجاح الوطنية بنابلس والتي جرح فيها ثلاثة صهاينة وكانت أولى عمليات انتفاضة الأقصى، وتابع سليم العمل بعدها فقام زميله أيمن باستئجار شقة في منطقة شارع 10، ليكمل سليم وأيمن من خلالها عملهم الجهادي والبطولي، وبالطبع فقد خرجت هذه الشقة أسد كسعيد الحوتري (22) عاما الاستشهادي العاشر لكتائب القسَّام، منفذ عملية الدولفين في تل أبيب موقعا 22 قتيلا صهيونياً.
ولم يكشف أمر هذه الشقة وساكنيها الأسود بعد، وفي نفس العام 2001م حدث انفجاراً في الشقة المستأجرة في شارع 10وأصيب على إثره الشهيد أيمن حلاوة بجروح، من هناك بدأ الإحساس الصهيوني بوقوف نفس الخلية التي نظمت هاشم بطل عملية محولا وسعيد الحوتري بطل عملية الدولفين هي نفسها.
وأثبت بالفعل بطريقة ما أن المواد التي انفجرت بالشقة هي نفس المواد التي استخدمت بالعمليتين السابقتين، وبالفعل طورد سليم وأيمن وعبد الرحمن على إثر ذلك، وبعدها اغتالت القوات الصهيونية عبد الرحمن حماد والذي كان مسئولا مباشرا عن عملية الدولفين.
القساميون يعملون
انطلق أيمن وسليم لتنظيم الخلية القسامية التي نفذت عملية سبارو في القدس، فأيمن يعد هو من سلم حزام الاستشهادي في حين قام نسيم أبو الروس بتنظيم الاستشهادي، وبالفعل نجح سليم وأيمن في ذلك بالتنسيق مع القائد القسامي عبد الله البرغوثي، وكان من بين تلك الخلية القسامي محمد دغلس من نفس القرية التي نبت منها المجاهد سليم حجة، وبعد وقوع عملية سبارو والتي نفذها القسامي عز الدين المصري من قرية عقابه شمال جنين وقتل فيها 15 صهيونياً وجرح أكثر من 100 آخرون في شهر آب من العام 2001م، وكانت العملية ردا على اغتيال القوات الصهيونية للقادة جمال منصور وجمل وسليم حسبما أفاد المعتقل القسامي عبد الله البرغوثي، وبعد شهرين من العملية اغتيل القائد أيمن حلاوة بعدما لغمت سيارته الخاصة وانفجرت أمام المستشفى التخصصي في شارع جامعة النجاح بنابلس.
تأثر سليم بحادث الاغتيال لأيمن الأمر الذي قاده إلى الانتقال إلى مدينة جنين للعمل هناك خصوصاً بعد غياب العمل العسكري في هذه المدينة، ولكن قلبه وفكره بقي في نابلس الصمود، استطاع سليم أن يلتقي بالشهيد البطل محمود أبو هنود ويتعرف عليه وانغمس في معرفته جداً لدرجة أنه كان بمثابة المستشار لسليم، حيث كان أبو هنود الأب حينما غاب سليم عن أباه والأم الذي اشتاق سليم لنظراتها الحنونة.
مصمم على المسير
بعدها تابع سليم مسيرته من مدينة جنين، حيث شكل ونسيم أبو الروس وقيس عدوان وجاسر سمارو خلية لإقامة العمل العسكري، حتى أن عمله وصل إلى مدن جنين ورام الله وقلقيلية، وبينما كان سليم في مدينة جنين يعد العدة للعمليات الاستشهادية أو عمليات إلقاء العبوات الناسفة وإطلاق النار على القوات الصهيونية، اغتيل مستشاره أبو هنود بين قرية ياصيد ومخيم الفارعة شمالي نابلس، حينها قرر سليم الرد وفي أقل من أسبوع.
وهذا ما كان بالفعل حيث نظم خلية في قرية جلقموس شمال جنين عرفت بحزمها وثباتها وقوة صلابتها حيث أنها لا تخشى في الله لومة لائم، ومن ثم طلب من صديقه مهند الطاهر أن يجهز له استشهادياً زؤوراً، وهذا ما كان من الشهيد مهند الذي عرف عنه وفاءه بالعهد والوعد.
قام مهند بإرسال الاستشهادي "ماهر حبيشة" للرد على اغتيال القائد "محمود أبو هنود"، وتولت الخلية التي نظمها سليم في قرية جلقموس والتي تكونت من "محمد" ويوسف القرم، عملية نقل الاستشهادي حبيشة إلى رام الله.
ولم تمض أياما حتى سمع عن دوي انفجار مخيف في مدينة حيفا المحتلة، وتوالت الأخبار بأن هناك عملية فيها، وبالفعل تناقل الخبر مقتل 18 عشر صهيونياً وعشرات الجرحى وبالطبع فقد كان المنفذ هو الشهيد القسامي ماهر حبيشة، وكانت هذه العملية الرد الأول الذي وعد به المجاهد سليم حجة بعد اغتيال أستاذه محمود أبو هنود، وحينها لم يهدأ للكيان الصهيوني بالا حتى قاموا بملاحقة كل من وقف وراء هذه العملية مفسرين بأن القائم عليه هو نفسه القائم على عملية سبارو والدولفين ومحولا.
السلطة تقبض عليه
وبعد فترة تم إلقاء القبض على الخلية القسامية في قرية جلقموس، حينها كان سليم قد انتقل مجدداً إلى مدينة نابلس ليتابع عمله الجهادي منها، من هنا بدأت القدم الخفية "السلطة" تلاحقه بأجهزتها الاستخباراتية كاملة.
وبعد قدوم سليم إلى نابلس ثانية حاول الاتصال بقادة العمل النضالي من كتائب الأقصى أو غيرهم، وبالفعل اتصل بالقائد "أمير ذوقان" قائد كتائب الأقصى في نابلس، وفي ذات مرة فلح جهاز الأمن الوقائي بنابلس من تتبع خطوات القائد ذوقان، لأنه لم يسهل عليها متابعة القائد القسامي سليم حجة، وبالفعل ألقي القبض على المجاهد "سليم حجة" من قبل الأمن الوقائي في منطقة المقبرة الشرقية في نابلس.
مكثت سليم يوم وليلة في نابلس ومن بعدها نقل إلى رام الله سيارات الأمن الوقائي بالتنسيق مع الأجهزة الصهيونية عبر حاجز حوارة، لم يتم التحقيق معه في نابلس فالمحققون بانتظاره في سجن بيتونيا برام الله، وبالفعل فقد قام أفراد جهاز الأمن الوقائي بالتحقيق معه بعد اعتقاله والقادة عبد الله وبلال البرغوثي ومحمود طه، وقد استمر التحقيق معه لأكثر من شهرين لكنه لم يعترف بشيء وإنما كان كلامه فقد عن علاقته بالشهداء أمثال "احمد مرشود" و"ايمن حلاوة" فقط و"عبد الرحمن حماد."
وإلى الآن لم يعترف
وضع سليم في زنزانة في معتقل بيتونيا الفلسطيني هذه المرة على مدار شهرين من التحقيق معه، ومع ذلك ما زال مصراً ومصمماً على عدم الاعتراف، وفي اجتياح القوات الصهيونية الأخير لمدينة رام الله عام 2002م، سلمت السلطة وجهازها الأمن الوقائي سليم حجة مع 15 آخرين كلهم من حركة حماس، واتهمت حركة حماس على أثرها المتخاذل جبريل الرجوب بتسليمهم.
استمرت مدة التحقيق مع سليم هذه المرة 4 شهور قضاها في زنازين الاحتلال الصهيوني، حتى أنه كان أول من حقق معه في معتقل عتليت الصهيوني، وحقق معه أيضا في مدينة الجلمة وفي مدينة بتاح تكفا.
وبعد سنة كاملة من جلسات المحاكم حكم عليه بالسجن مدة 16 مؤبداً و30 عاماً إضافية، حيث حكم بـ 15مؤبداً لاتهامه بأنه المباشر عن عمليتي حيفا ومحولا، ومؤبدا و30 عاماً إضافية على المساعدة والوقوف في عمليتي الدولفين وسبارو، علما بأنه كان قد طلب 62 مؤبداً.
ماذا طلب سليم من شقيقه
شاء القدر أن يلتقي سليم مع شقيقه الأصغر مصطفى في سجن نفحة الصهيوني، وذلك بعد أن اعتقل شقيقه بعدما داهمت القوات الصهيونية منزلهم في قرية برقة شمال نابلس وحكم عليه بالسجن مدة سنوات لاتهامه بالقيام بمساعدة شقيقه.
لم يكن من سليم حين رأى أخاه معه في نفس المعتقل إلا أن أوصاه بأن يرعى شؤون زوجته والتي تزوجها في حزيران من العام 2001م وكان حينها مطلوباً، ومن ثم رزق بمولوده الوحيد عمر ابن الثلاثة أعوام وحينها أيضا كان معتقلاً، والذي لم يره إلى الآن حيث أن الزيارة منعت عنه من قبل القوات الصهيونية، كما وأوصى شقيقة، والذي أيقن سليم بأنه لن يراه ثانية، بالمحافظة والمواظبة على إرضاء والديه وخصوصاً والدته التي يعرف سليم أن دموعها لم ولن تنقطع طيلة غيابه.
"مصطفى: بدك أشي مني يا خوي، سليم: دير بالك عليهم كلهم أمي وزوجتي وأبوي وعمر وكلهم يا مصطفى" كانت تلك كلمات الوداع لمصطفى.