قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: عمليات الأسر: عبء عملياتي كبير لتحقيق غاية سامية

بقلم/ إسماعيل محمد

كشف برنامج الحقيقة "عوفدا" الذي بثته القناة 12 العربية، عن مشهد "مجنون" وفق وصف "الإسرائيلي"، عشرة جنود من كتائب القسام، يلبسون زي جيش الاحتلال، اقتحموا الحدود عبر نفق إلى قرب مستوطنة نيرعام، في مرمى سلاحهم جنودٌ يمكن أن يقتلوهم بلا هامش للخطأ، وفي سماء مزدحمة بطائرات الاستطلاع المقاتلة، تنقل إلى غرفة العمليات كل سكنة وحركة، يناور جنود "القسام" تحت النار، لتحقيق هدف أبلغ من إيقاع الخسائر البشرية في جيش الاحتلال، ما قدمته حلقة "عوفدا" طوال ساعة بث تلفزيونية، يتجاوز الحديث عن جرأة المقاتلين واستعدادهم للتضحية، إلى مضامين أكثر رسالية على الصعيد الأخلاقي، ومهنية في المستوى العسكري.

 أخلاقياً، عبر مقامو القسام العشرة، عن التصاقهم بأولوية وطنية جامعة، هي قضية الأسرى، التي أخذت حيزاً مهماً في أولويات الثورة الفلسطينية المعاصرة، وخلُصت إلى أن الطريق الأمثل لتحريرهم  هو تنفيذ عملية أسر تفضي إلى صفقات تبادل، برنامج الحقيقة، يكشف من بين ما يكشفه من تفاصيل سيطول الحديث عنها، أن عمليات الأسر أضحت أكثر من مجرد تكتيك عملياتي، بل جزءاً من العقيدة القتالية للمقاوم الفلسطيني، يظهر ذلك في عشرات محاولات الأسر _التي تلت آخر عملية تبادل عام 1985_، والتي بدأتها حركة حماس أواخر الثمانينيات بعمليات أسر الجنود التي قادها الشهيد القائد محمود المبحوح، وظلت المحاولات لا تتوقف وصولاً إلى عملية الوهم المتبدد عام 2006، والتي أسفرت عن أسر الجندي جلعاد شاليط وانتهت بصفقة وفاء الأحرار.

خلال السنوات التي تلت عملية الوهم المتبدد، كان واضحاً من خلال التدريبات المصورة للمقاومة الفلسطينية، اعتمادها تدريب مقاتليها على عمليات أسر الجنود، أي أنها عززت لدى جنودها أهمية تنفيذ عمليات أسر، وأن قيمة جندي العدو الأسير لدى المقاومة تفوق عشرات المرات قيمة عشرات القتلى من جنود العدو، بدا ذلك واضحاً في أداء كتائب القسام خلال تصديها لعدوان الاحتلال على قطاع غزة عام 2008-2009، حيث أعلنت عن نجاح مقاتليها في تنفيذ أكثر من عملية أسر انتهت كلها بقصف الاحتلال للمقاومين مع جنوده الأسرى.

أما من الناحية العسكرية المهنية الصرفة، فإن عمليات الأسر من الناحية العملياتية أكثر تعقيداً من أي عمليات أخرى، فهي تتطلب تحقيق تماس مباشر مع جنود العدو، وتأمين انسحاب المقاتلين مع أسرى العدو في ظروف يسيطر فيها جيش الاحتلال على الجو، ويمتلك قدرات متابعة ورصد متقدمة جداً، أي أن تفضيل المقاتلين لعمليات الأسر يحرمهم في كثير من الأوقات من تنفيذ عمليات ربما يمكن من خلالها تسديد ضربات موجعة لجيش الاحتلال.

لقد أظهرت المقاطع التي أفرج عنها جيش الاحتلال لعملية موقع 16، التي نفذتها قوة من نخبة كتائب القسام شمال قطاع غزة إبان معركة العصف المأكول عام 2014، شجاعة استثنائية للمقاتل الفلسطيني الذي لا يواجه جيش العدو بكل ترسانته فحسب، بل يقترب ويفتح آلياته ويسحب جنوده، الأمر الذي يجعل الاحتلال يلجأ إلى قصف جنوده لئلا يضطر مرغما إلى الخضوع لصفقات تبادل أسرى مع المقاومة.

الجديد الذي حمله المقطع المصور هو اعتراف الاحتلال باستهداف جنوده، خشية من وقوعه أسرى بيد المقاومة، بعد أن كان ينفي تعمده قتل جنوده، ودفاعه المحموم عن إجراء "هانيباعل"، الذي نفذه عشرات المرات في محاولة منه لمنع عمليات الأسر.

حفظت ذاكرة معركة العصف المأكول وشهادات جيش الاحتلال، إصرار مقاتلي كتائب القسام على تحقيق التماس لتنفيذ عمليات الأسر، وربما كان يمكن لمقاتلي القسام في الكثير من الاشتباكات تحقيق نتائج أعظم، لو لم يضعوا ضمن أهدافهم أسر جنود، إن تحمل هذا العبء الكبير في ميدان المعركة والمخاطرة بالأرواح وتفضيل عمليات الأسر لا يعد خسارة بأي حال من الأحوال فهو جاء لتحقيق غاية سامية ترخص في سبيلها المهج، فأكثر من 4 آلاف أسير يقبعون في قلاع الأسر المئات منهم ليس لهم بعد الله سوى اجبار الاحتلال على الخضوع لصفقات تبادل.

البث المباشر