"جيش الاحتلال ينوي تنفيذ عملية كبيرة في مخيم جنين" بدأ الأمر بخبر، كذّبه المحيطون، ومن ثم نفته وسائل إعلامية، وما قبل منتصف الليلة الماضية اكتشف الجميع أنه حقيقة.
اقتحمت جرافات، وسيارات، ومدرعات، وآليات كثيرة مخيم جنين، وما هي إلا دقائق حتى تحركت عربات الإسعاف، وسُمع صوت صفيرها في الأرجاء، ثم بدأت الطائرات تقصف قرب مدخل المخيم، لتغطي تحرك الجرافات التي تمهد الطريق، وتسهل دخول المدرعات التي بدأت تطلق الرصاص بكثافة على الصحافيين والمصورين فأصيب شاب على مدخل المدينة برصاص القناصة المنتشرين فوق العمارات المرتفعة، وهكذا جرفت الشوارع تمهيدا لدخول الآليات.
عدد الآليات كبير للدرجة أن قال شهود عيان أن هذا العدد لم يره أهالي المخيم منذ عملية السور الواقي عام 2002، هذه العملية أطلق عليها الاحتلال اسم "البيت والحديقة" حاولت فيها قوات الاحتلال الدخول إلى قلب المخيم عبر أطرافه المفتوحة فلم تستطع، وفي كل مرة كانت العبوات الناسفة تقف لها على المفترقات بالمرصاد.
عدد القوات المشاركة يصل إلى ألف جندي يقودون عشرات من الآليات، هذا يعني أنه لم يكن مجرد اقتحام، بل كانت حربا على المخيم، ثم يطلق عليها الاحتلال اسم البيت والحديقة، وكأنه يريد الدخول ليلقي الأزهار فوق بيوت المخيم.
من المدخل الشمالي المنطلق من حاجز جلمة، والمدخل الغربي بالقرب من حاجز سالم، والمدخل الجنوبي الشرقي من وادي بلقين، ثلاثة مداخل للمدينة حاول الاحتلال الوصول من خلالها إلى المخيم، وجرافات تقود الآليات لتجرف الشوارع وتدفع السكان إلى النزوح عن بيوتهم.
بدأ نتنياهو يتباهى حينما أعلنت وسائل الإعلام عن ارتقاء ثلاثة شهداء، ما بعد منتصف الليل، وأكثر من عشرين إصابة كانت قد وصلت إلى مستشفى جنين الحكومي، عجز الاحتلال ينعكس حينما يكشف عن هوية الشهداء، فلا يعرف منهم مقاوما منظما واحدا، جميعهم مواطنون من المارة وسكان البيوت العزل.
تتوالى الساعات، حتى تصل إلى الرابعة فجرا، الطائرات تقصف المخيم، والقوات على حدوده لا تستطيع التقدم أكثر، وحصيلة الإصابات جراء عدوان الاحتلال المتواصل على المدينة ترتفع إلى 28، بينها 8 إصابات خطيرة.
ثم يرتفع عدد الشهداء مع بداية النهار، إلى ٥ في أقل من 10 ساعات برصاص الاحتلال (الإسرائيلي)، بينهم شاب في البيرة، و4 شهداء في جنين، ما يرفع حصيلة الشهداء منذ بداية العام الحالي إلى 185 شهيداً.
عشر ساعات متواصلة من القصف والضرب والتجريف في شوارع المدينة، ولا زالت القوات متمركزة على أطراف المخيم لا تستطيع التقدم، وطائرات التجسس تقصف حتى وصل عدد الغارات منذ ساعات الفجر الأولى حتى منتصف النهار التالي إلى خمس عشرة غارة جوية.
عدنان صباح الكاتب المحلل السياسي من جنين يرى أن الاحتلال يتخبط، وكلما زادت آلياته واستخدامه للطائرات في قصف المخيم الذي لا تتجاوز مساحته النصف كليو متر ظهر مدى عجزه.
صباح يراقب الوضع من قلب المخيم ويخبرنا أن المقاومة بخير وفي تطور، ويضيف: "أكبر دليل على ذلك عملية الاحتلال، واستخدامه لمدرعات بهذا العدد الهائل، والطائرات، وهو يريد أن يصنع إنجازات وهمية، لا مواجهات حقيقية لأن من يبحث عنهم لم يجدهم أمامه، فهو يدعي أنه قضى على ثكنة عسكرية بينما هو سيطر على منزل الأسير زكريا الزبيدي الذي تسكنه العائلة".
وحتى اللحظة لم تعلن المقاومة عن هوية الشهداء وانتماءاتهم، هذا يعني أنهم على الأغلب من المواطنين العزل، وقد ضربت المقاومة ضربة قوية وحققت نجاحات قوية خلال العامين الماضيين وواضح أنها باتت تمتلك خبرة حقيقية في مقارعته، خبرة مخزنة منذ معركة 2002 وخرجت كل الأبطال والأسماء التي نفذت عمليات متميزة خلال الأشهر السابقة.
معركة جنين لم تنته حتى اللحظة والاشتباك مع هذا الكم الكبير من الجنود والمدرعات خلال الاثنتي عشرة ساعة متواصلة والمعركة لم تنته بعد، وهذا يدل على تطور كبير ومرعب للمقاومة الفلسطينية في الضفة.