سبتمبر العام الماضي أطلت الصحافية لمى غوشة عبر شاشات التلفزة، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لها وهي مكبلة الايدي والأرجل وحولها جنود الاحتلال (الإسرائيلي) وهي تبكي وتسأل عن صغارها.
لم ترتكب غوشة أي جرم سوى أن الاحتلال ادعى أن ابنة حي الشيخ جراح، تكتب منشورات (تحريضية) على حسابها بموقع فيسبوك، وبعد أيام أُفرج عنها بشروط قاسية، منها الحبس المنزلي والمنع من إجراء مقابلات صحفية وحظر استخدام الهاتف الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي حتى انتهاء إجراءات المحاكمة، بالإضافة للتوقيع على كفالة مالية بقيمة 15 ألف دولار.
وبعد 10 شهور من حبسها المنزلي، فرضت عليها محكمة الاحتلال في القدس الأسبوع الماضي، 9 أشهر عمل لصالح الجمهور، و6 أشهر مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية بقيمة 4500 شيقل.
ورفض الاتحاد الدولي للصحفيين الحكم (الإسرائيلي)، معتبرا أنه (ينتهك حرية التعبير وحقوقها المهنية).
عبر الفيسبوك كتبت لمى:" بعد مرور 10 شهور، انتهى قرار الحبس المنزلي ومنع الاتصال والتواصل الصادر بحقي، لنبدأ سلسلة جديدة من المعارك الوجودية وهذه المرة العنوان هو (العفودات شيروت)، أي العمل الجماهيري، بمعنى أدق العمل بدون مقابل مادي في أي من المؤسسات التابعة لحكومة الاحتلال (درب من دروب الذل والقهر الممارسة ضد المقدسي-ة).
وتابعت:" لا أعرف صدقا من أين أبدأ أو كيف أبدأ حياتي بعد حالة "الشلل التام " التي مررت بها خلال الـ 10 شهور الماضية، وليس لدي وصف دقيق لمعنى الحرية وسط كل هذه القيود والشروط التي تجعل من "الحرية" مفهوماً رمادياً مليء بالميوعة (.) لكنني أُدرك أنني خلال هذه التجربة بحثت عن ذاتي جيداً واستعدتها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".
وأشارت إلى أنها تحررت من الأثر المُصاحب لكل الأدوات الاستعمارية العقابية الناعمة التي مورست بحقها وأهمها وحش " الحبس المنزلي"، لتبقى هي ولا تتحول إلى بقعة ظل فاقدة الوعي والروح.
وأوضحت أنها تحررت عبر بحثها المكثف عن ذاتها وسط هذا الواقع الاستعماري المركب، ووثقت التجربة" كتابياً" و"صورياً" حتى تصبح درب من دروب الوعي لكل مقدسي ومقدسية يتعرض لهذا النوع من التحكم الرقابي والسيطرة الخانقة على الجسد والذات.
وأكدت (للرسالة نت) أنها ترفض الحكم عليها بالعمل لصالح الجمهور وبصدد تقديم الاستئناف.
وأشارت غوشة إلى أن "العفودات شيروت" – العمل لصالح الجمهور- هو أداة عقابية استعمارية ناعمة تفرضها حكومة الاحتلال للسيطرة على المقدسيين والمقدسيات والتحكم بهم من خلال محاولة إدماجهم بوسط (إسرائيلي) نقيض لمعتقداتهم ومبادئهم وقيمهم الوطنية.
وذكرت أنها تقاوم الأدوات العقابية الناعمة وأهمها الحبس المنزلي ولاحقا (العفودات شيروت) من خلال الوعي بأهداف الاحتلال من فرضها، والوعي بأساليب مقاومتها، كما وتحاول تعميم تجربتها من خلال مشاركتها مع الناس.
ماذا يعني العمل لصالح الجمهور؟
وفي ذات السياق يقول المحامي أسامة الرشق إن عقوبة العمل لصالح الجمهور تعتبر واحدة من العقوبات التي يستخدمها الاحتلال في الجنح كبديل عن العقوبات الأخرى لسلب الفلسطيني حريته.
ويوضح الرشق (للرسالة نت) أن العمل لصالح الجمهور يعني اجبار الفلسطيني على التطوع المجتمعي لخدمة (الإسرائيليين) كتنظيف الحدائق أو رعاية كبار السن أو المعاقين، لافتا إلى أن هذه العقوبة تأتي لتقييد الفلسطيني وتكبيل حرياته.
وذكر أن هدف الحكم على غوشة بهذه العقوبة كسر كبريائها والاعتزاز بنفسها، مشيرا إلى أن عقوبتها تنافي حقوق الانسان فهي من المفترض أن تكون محمية من القانون الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن الصحفية غوشة واجهت منذ شهر أيلول 2022 سياسة (الحبس المنزلي)، وذلك بعد أن اعتقلها الاحتلال في حينه، وأفرج عنها بشروط، منها "الحبس المنزلي"، إضافة إلى حرمانها من استخدام الحاسوب، والهاتف، ووسائل التواصل الاجتماعي.
وقال نادي الأسير الفلسطيني إن قرار محكمة الاحتلال، بحق غوشة، والمتمثل بفرض 9 شهور عمل (لخدمة الجمهور) إضافة إلى 6 شهور مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات، وفرض غرامة مالية بحقّها، يأتي في سياق نهج الاحتلال المستمر لاستهداف العمل الصحفيّ وفرض مزيد من القيود عليه، خاصّة أنّ هذا القرار جاء بعد 10 شهور من (الحبس المنزلي) بحقّ الصحفية غوشة، وحرمانها من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وجهاز الحاسوب، وهاتفها".
وأكّد نادي الأسير أنّه -وفي ضوء هذا القرار- فإنّ محاميها سيتقدم باستئناف على القرار، مضيفا أن منظومة الاحتلال وبكافة أجهزتها عملت، ولا تزال، على ابتكار أساليب وسياسات لاستهداف الصحفيين الفلسطينيين، والتضييق على حرية الرأي والتعبير، وفرض مزيد من السّيطرة والرّقابة عليهم، لا سيما مع تصاعد المواجهة الحالية، حيث يواصل الاحتلال اعتقال 18 صحفيا، كان آخرهم محمد منى من نابلس.