يوم الخميس شاهدنا والدة الشهيد مجدي عرعراوي من جنين، تبكي عند قبره بعد نجاحه في الثانوية العامة، وتنادي عليه بنحيب: "90 يمّا جبت يا حبيبي"، وفي صباح الجمعة ودّعت والدة الشهيد محمد البايض من "أم صفا" شمال رام الله وحيدها اليتيم، أما مساء فقد فجعت والدة الشهيد فوزي مخالفة باستشهاد أصغر أبنائها، وحين تفقدت سيارته المليئة بآثار دمائه نحبت: "قبل شوي كنت عندي يما.. فوزي وينك يما"، هكذا يفعل الاحتلال بقلوب الأمهات في الضفة الغربية المحتلة.
من داخل بلدة سبسطية، قبل منتصف الليل، في يوم الإجازة، يأخذ فوزي مخالفة سيارة والده ويذهب مع رفيقه للتنزه، عبروا من مدخل البلدة الساعة 11:20، بعد ٣٠٠ متر تفاجؤوا بعدد من جنود الاحتلال، أطلقوا على السيارة أربعين رصاصة، عدد كبير منها اخترق جسد فوزي وواحدة فجرت رأسه، وإحدى الرصاصات أصابت صديقه، ارتقى الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة، وتسلمت طواقم الهلال الأحمر جثمانه، أما جنود الاحتلال فلم يكتفوا بجريمتهم بل اعتقلوا صديقه.
في المدينة المليئة بالأشجار والأراضي الخضراء يتربص الموت على هيئة جنود الاحتلال من خلف الأشجار، وينتظرون زهرات الشباب ويطلقون النار، وتبقى الدماء التي ظلت تقطر فوق السيارة المليئة بالثقوب كدليل وحيد في عتمة الليل على عنجهية الاحتلال.
المصاب الآخر لا أحد يعرف هويته، اعتقله الاحتلال قبل وصول أي من الشهود على الجريمة، جريح ولا يعرف أحدهم ماهية إصابته، انسحب الجنود وتركوا جثمان الصبي فوزي وحيد أمه التي ركضت إليه بلوعة.
قتل فوزي في داخل بلدة سبسطية، لم يكن قريبا من المستوطنة، بل إن الجنود هم من لاحقوه وتربصوا حتى اغتالوه، لم يكن الشاب ورفيقه مسلحا، بل كل شابا فلسطينيا يعيش بأرضه القريبة من المستوطنة، مهدد بمصادرة بيته أو حياته.
الدكتور عثمان أبو صبحة لفت في مقابلة مع (الرسالة) إلى أن سبسطية إحدى قرى نابلس، والمستوطنين في تلك المنطقة أشد عنفا وتطرفا، خاصة أن المنطقة مليئة بالآثار، ما يعني أنها غنيمة كبيرة للاستيطان، والمستوطنون معهم الضوء الأخضر بحمل السلاح، ويعطون أنفسهم الحق في القتل وحينما يدخلون سبسطية وهي مناطق مصنفة (أ) بالمناسبة "تحت سيطرة السلطة الفلسطينية"، لكنهم يستبيحونها أكثر.
ويقول: "برقة وسبسطية والمسعودية مناطق تقع في الجهة الشمالية الغربية لنابلس وتعاني منذ أشهر من هذه الإجراءات العسكرية، حيث ينشر الاحتلال جنوده لتأمين الحماية لمركبات المستوطنين الداخلين والخارجين من المستوطنة".
ويرى أبو صبحة أن الفلسطيني بات فريسة للمستوطنين، مبينا أن "الحكومة (الإسرائيلية) تتمنى ترحيل كل فلسطيني، منوها إلى أن العدو يدّعي بعد كل قتل أن أسبابه هي دواع أمنية، والحقيقة أنه يخاف من كل ما هو فلسطيني، وهو يسعى لقتل الفلسطيني بالدرجة الأولى".
ومستوطنة شافي شمرون تضم معسكرا وثكنات للجيش (الإسرائيلي)، وهي مستوطنة بنيت فوق أراضي 4 قرى فلسطينية (الناقورة ودير شرف وسبسطية وبرقة) قبل نحو نصف قرن، ولا تزال تتوسع لتنهب مزيدا من الأرض، وترسم لمخطط تهويدي للمنطقة بأكملها، يجعل منها بؤرة مركزية للتوسع الاستيطاني لشمال الضفة الغربية.
ومنذ بداية العام 2023، ارتقى 204 شهداء برصاص الاحتلال بينهم 36 طفلاً، و6 سيدات.