بينما يسعى أهالي بلدة سبسطية الفلسطينية (شمال الضفة الغربية) لإدراجها ضمن لائحة "التراث العالمي المهدد" بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، رصدت الحكومة (الإسرائيلية) 8 ملايين دولار لتهويد البلدة وربطها بالرواية التوراتية.
وفي السنوات الأخيرة، عملت بلدية سبسطية التابعة لمحافظة نابلس بشراكة مع مؤسسات فلسطينية على إعادة تأهيل وترميم العديد من المواقع الأثرية في البلدة التي يعود تاريخها إلى 3 آلاف عام.
رئيس بلدية سبسطية محمد عازم، قال إن "البلدة اليوم قاب قوسين أو دنى من السرقة والتهويد الإسرائيلي".
وذكر عازم أن معيقات عديدة حدت من قدرتهم على إعادة تأهيل وترميم المواقع الأثرية بالبلدة؛ "أبرزها وجود أغلب المواقع في المنطقة المصنفة (ج) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية حسب اتفاق أوسلو2".
ووفق اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) عام 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق: "أ" و"ب" و"ج".
وتمثل المناطق "أ" 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيا وإداريا، أما المناطق "ب" فتمثل 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية (إسرائيلية).
أما المناطق "ج" التي تمثل 61% من مساحة الضفة فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية (إسرائيلية)، مما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
وصادقت حكومة الاحتلال في مايو/أيار الماضي على اقتراح باستثمار 29 مليون شيكل (نحو 8 ملايين دولار) لـ"تطوير" المنطقة الأثرية في بلدة سبسطية، وهو ما عده الفلسطينيون "فرضا للسيطرة الإسرائيلية والضم والتهويد".
مخاوف التهويد
رئيس البلدية قال إن "البلدة ومنذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأخيرة (في ديسمبر/كانون الأول 2022) تتعرض لهجمة مسعورة، بدأت بالموقع الأثري في سبسطية لتهويده والسيطرة عليه".
وعلى الأرض، ذكر عازم أن "إسرائيل تسارع الزمن لتنفيذ مخططها تحت مسمى تطوير وحماية المواقع الأثرية، غير أنه مشروع تهويدي وإحلالي وسرقة للأرض والمواقع التراثية الفلسطينية"، مضيفا أن "سبسطية وتاريخها بات قاب قوسين أو أدنى من السرقة".
وقدم رئيس البلدية شرحا حول المشروع الإسرائيلي الذي يبدأ بـ"شق طريق التفافي استيطاني على أراضي البلدة من شأنه تخريب ونبش الموقع الأثري، ويهدف إلى خدمة المستوطنين ويساعد في سرقة المواقع الأثرية الأخرى وضمها".
وتسعى (إسرائيل) أيضا إلى "بناء سياج سلكي حول الموقع الأثري بسبسطية الذي يضم أيضا أراضي خاصة فلسطينية مزروعة بالزيتون واللوزيات، ويهدف إلى منع وصول الفلسطينيين للموقع"، حسب عازم.
وأضاف "تخطط إسرائيل لوضع كاميرات مراقبة في الموقع وأبراج عسكرية وفتح مكاتب جباية، أي أن أبناء البلدة سيدفعون لوزارة السياحة الإسرائيلية مقابل الدخول للموقع الأثري لبلدتهم".
وقال عازم إنهم "أمام معركة حقيقية على الأرض لحماية تاريخ وتراث البلدة"، مشيرا إلى "ضرورة تدخل أممي لمنع إسرائيل من تنفيذ مشروعها الاستيطاني البحت".
وأوضح عازم أن سبسطية الأثرية تضم مواقع تاريخية عديدة؛ أهمها المقبرة الرومانية، وضريح النبي يحيى ومسجده، وكاتدرائية يوحنا المعمدان، وقصر الكايد، وساحة البازيليكا، والقصر الملكي، والبرج الهيلينستي، ومعبد أغسطس، والمسرح، وشارع الأعمدة، والملعب.
وذكر أن "مسرح سبسطية" يشبه إلى حد كبير مسرح مدينة جرش الأردنية. وقال عازم إن نحو 90% من آثار البلدة لم تكتشف بعد وتحتاج لجهود وإمكانات كبيرة للتنقيب عنها.
جهود فلسطينية
وفي المقابل، كشف صالح طوافشة وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، عن بدء حكومته العمل على 3 مستويات للتصدي للمخططات الإسرائيلية الرامية إلى ضم مواقع أثرية فلسطينية وتهويدها، وأبرزها سبسطية.
آثار سبسطية العريقة تعود إلى العصر البرونزي 3200 قبل الميلاد (الأناضول)
وذكر طوافشة أن "التحرك الدبلوماسي بدأ بالفعل، حيث تمت مخاطبة دول ومؤسسات دولية وحقوقية تعنى بشؤون الآثار والتاريخ للضغط على إسرائيل لوقف مخططاتها".
وأشار إلى أنه "تم العمل مع مؤسسات محلية من أجل تفعيل الدور المجتمع لمواجهة المخطط الإسرائيلي، عبر تفعيل السياحة الداخلية للموقع الأثري بالبلدة، وتشكيل لجان حماية وحراسة".
وأوضح أن "وزارة السياحة بدأت تفعيل تأهيل المناطق الأثرية في سبسطية ورفدها بكل المكونات من أجل تعزيز الصمود الفلسطيني وقطع الطريق على الجانب الإسرائيلي".
وقال طوافشة "المعركة شرسة مع الاحتلال الذي يملك المال والقوة"، مشيرا إلى "ضرورة وضع سبسطية على لائحة التراث العالمي المهدد في اليونسكو".
سبسطية عبر التاريخ
ويعود تاريخ المنطقة الأثرية بالبلدة -حسب وزارة السياحة الفلسطينية- إلى العصر البرونزي (3200 قبل الميلاد). ووفق المؤرخين، فقد خضعت البلدة إلى حكم الآشوريين ثم الفارسيين، ومن ثم الرومانيين وحكمها الملك هيرود عام 30 قبل الميلاد، وهو من أطلق عليها اسم "سبسطي" أي "المبجلة"، وأغلب المباني الحاضرة تعود لعهده.
وأصبحت سبسطية في العهد البيزنطي مركزًا دينيًا لوجود قبر يوحنا المعمدان (النبي يحيى بن زكريا عليه السلام).
ويعتقد أن جسد النبي يحيى عليه السلام موجود في ضريح قرب مسجد قديم وسط البلدة، بينما دفن رأسه في العاصمة السورية دمشق.
ووفق إحصاءات رسمية، فإنه يسكن في البلدة الواقعة شمالي مدينة نابلس نحو 3500 فلسطيني، منها عائلة واحدة فقط مسيحية.
المصدر : الجزيرة + الأناضول