مقال: أوسلو... من وهم الدولة إلى خطر التهويد

بقلم: ميسرة بحر

خطيئة تاريخية ارتكبتها منظمة التحرير بتوقيع اتفاقية أوسلو، فبعد مرور 30 عام على توقيع الاتفاقية وبعد الآثار الكارثية التي خلفتها أظهر استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في سبتمبر 2023 الجاري أن (71%) من المجتمع الفلسطيني في الضفة وغزة يرى أنه من الخطأ قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاقية أوسلو، وباعتقادي أن الـ (19%) الباقيين جزء كبير منهم غير راضيين عن نتائج الاتفاقية، لكنهم يوردون المبررات لتوقيع الاتفاقية آن ذاك.

أوهمت قيادة منظمة التحرير الشعب الفلسطيني أن الاتفاقية ستحقق إقامة الدولة وستعيد حقوق الشعب الفلسطيني، لكن لم يتحقق أي من ذلك بل كانت بمثابة كنز استراتيجي للعدو، حيث منحته الاعتراف، وقللت ثمن الاحتلال، وقسمت الضفة الغربية؛ ما مكن العدو من توسيع المستوطنات التي تلتهم ما يزيد عن 42% من مساحة الضفة، والتغول على المسجد الأقصى الذي يتعرض اليوم لأبشع حرب، سعياً لتهويده وإقامة الهيكل على أنقاضه.

الانقسام السياسي الفلسطيني كان من أسوأ الآثار المدمرة لهذه الاتفاقية وما سبقها من خطوات بسبب الفكر السياسي الذي أدخلته الاتفاقية على الحالة الفلسطينية؛ فبعدما كان النضال والكفاح المسلح قضية يجتمع عليها الكل الفلسطيني، أصبحت هناك فئة تؤمن بالحل السلمي، وتعمل على قمع أي حركة تتخذ الكفاح المسلح أداة أساسية لها، وتحولت السلطة التي انبثقت عن هذا الاتفاق إلى أداة لاحتواء الحالة الثورية، وقمع المقاومة.

يتعرض المسجد الأقصى المبارك لاعتداءات من المتطرفين الصهاينة، الذين أصبحوا يسيطرون على الحكومة الصهيونية، ويسعون لحسم الصراع وتهويد القدس وإنهاء المقاومة الفلسطينية، وفي سبيل ذلك تسخر الحكومة الصهيونية كل الإمكانيات وتضع الخطط وتقر الموازنات حيث أقرت الحكومة الصهيونية مبلغ (3.2 مليار شيكل) للاعوام 2024 - 2028م لتنفيذ الخطة الخمسية التي تهدف لتهويد القدس من خلال العمل على دمج المقدسيين بالمجتمع الصهيوني وسلخهم عن هويتهم الوطنية.

ترتفع وتيرة الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى في ظل الأعياد الصهيونية التي بدأت يوم الاحد 2023/9/17م، باقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك، والاعتداء على المقدسيين وسحلهم على الأرض، والقيام بلحركات الاستفزازية، والطقوس التلمودية.

في ظل هذه الاعتداءات الوحشية على المسجد الأقصى والمقدسيين يغيب أي دور فعلي للسلطة الفلسطينية التي يجب أن تتصدر لمواجهة العدو وخطواته التهويدية كونها "الممثل الشرعي والوحيد" - كما تزعم -، لكن بدل ذلك تتصدر السلطة لمواجهة المقاومة في الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة، وتتلقى السلاح الأمريكي بالتنسيق مع العدو لمواجهة المقاومة في ظل تصاعد المقاومة في الضفة الغربية.

إن من يعول على جني الثمار من خلال المفاوضات وتوقيع الاتفاقيات الهزيلة مع هذا العدو إنما يشتري ويبيع الوهم، فلم تنجح السلطة خلال 30 عام مرت على توقيع اتفاقية أوسلو أن تجني أي ثمار حقيقية ولم تستطع أن تمنع التهام أراضي الضفة الغربية من قبل المستوطنين، ولم تواجه الاعتداءات الصهيونية على القدس والمسجد الأقصى، كان يجب على السلطة الفلسطينية أن تأخذ الدروس والعبر من انسحاب وتفكيك المستوطنات الصهيونية من قطاع غزة عام 2005م، تحت ضربات المقاومة، فما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بلقوة.

ولا زالت غزة منارة للمقاومة وقلب الوطن النابض، ورأس حربة في مواجهة العدو الصهيوني ومخططاته لحسم الصراع، من خلال تسخير كل إمكانياتها ومواردها لمواجهة الاحتلال، حيث شكلت غزة نموذج مشرف للمقاومة، يبث روح الأمل في الشعب الفلسطيني أن التحرير آتٍ لا محالة، فكما تحررت مستوطنات غزة، ستتحرر مستوطنات الضفة الغربية، وستتحرر فلسطين من نهرها إلى بحرها..

البث المباشر