لم تخف معالم الخطة الأمريكية الإسرائيلية للقضاء على الأونروا وانهاء وجودها كشاهد سياسي على نكبة الشعب الفلسطيني المتواصلة منذ اربعينيات القرن الماضي؛ تحديدا بعدما أطلّت برأسها في عهد الإدارة الامريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب التي جمدّت حصتها في دعم الأونروا البالغة 350 مليون دولار.
إدارة بايدن استعاضت عن سياسة العصا التي رفعتها إدارة ترامب، بسياسة الجزرة، التي تقضي إبقاء الأونروا مع تبهيت دورها وتفريغها من مضمونها، عبر طرق متعددة يحاول التقرير رصدها من خلال مجموعة إجراءات دولية أبرزتها إبادة غزة.
ويجدر الإشارة إلى أن مسؤولي المنظمة الدولية، يعترفون وعلى رأسهم المفوض العام لها فيليب لارازيني، بوجود محاولات لإنهاء عمل الوكالة، وحذر فيها من خطورة ذلك على الأمن والسلم العالميين.
** الاستبدال
تمثلت المحاولة الأبرز في تبهيت الأونروا، بمحاولة استبدال خدماتها المقدمة اغاثيا بأخرى، تقوم بمهامها، في مقترحات أمريكية سابقة دعت فيها الأونروا إلى الاستعانة بمنظمة اللاجئين العالمية لإدارة شؤون اللاجئين، وتقديم المساعدات الغذائية من خلال برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة (WFP)، والاستعانة بغيرها من المنظمات الدولية.
ذلك لم يجد ترحيبا خلال العامين السابقين، بحسب مراقبين في مجال حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ ذلك تضمن توصية من تقرير أممي صادر عن لجنة شكلها الأمين العام للأمم المتحدة حول حيادية الأونروا، أشار التقرير إلى ضرورة الاستعانة بهذه المنظمات.
لكنّ هذه المنظمات من الناحية العملية بدأت العمل في تقديم سلة المساعدات، كبرنامج الأغذية العالمي، والمطبخ الأمريكي أيضا، في اللحظة التي أوقفت أمريكا حصتها المالية من الأونروا بذريعة تورط بعض عامليها في أحداث السابع من أكتوبر، وهي مزاعم لم تثبتها دولة الاحتلال بحسب تقرير اللجنة الأممية.
هذه الإجراءات وجدّت فيها هيئة الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين 302، محاولة مشبوهة لتفريغ دور الأونروا من مهمتها الرئيسية "إغاثة وتشغيل اللاجئين"، مع الإشارة إلى أن عملية التشغيل توقفت بشكل شبه كلي خلال العقدين الأخيرين، بذريعة الأزمة المالية التي تعصف بالأونروا، وبقيت فقط مهمة الإغاثة التي تتعرض لعملية الاستبدال.
** التجفيف
ترافقت هذه الإجراءات مع نداءات للمنظمة الدولية، تحذر فيها من أزمة مالية عاصفة لن تستطيع عبرها الإيفاء بوعودها تجاه دفع رواتب موظفيها، كما أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في تقديم خدماتها.
وبحسب فيليب لارازيني المفوض العام للأونروا، فإنّ الأونروا تستهدف بشكل مباشر في عملية تجفيف تمويلها خاصة في ظل تراجع 7 دول من أصل 17 دولة غربية علقت مساهماتها المالية للوكالة.
ويقدر التمويل السنوي للأونروا بمليار وربع، لميزانيتها الرئيسية إلى جانب ميزانية الطوارئ، عدا عن ميزانية الحرب التي استدعت من الوكالة اطلاق اكثر من نداء لضخ الدعم إليها دون استجابة حقيقية، فيما حذرّت أوساط مراقبة في وقت سابق من محاولة "تعريب التمويل" والتي تستهدف حصر عملية التمويل عند الدول العربية.
** الترويض
بقي بعض المهام التي تقوم بها الأونروا في القطاعين الصحي والتعليمي، وكان الصحي واحدا من تلك القطاعات التي جرى الحديث عن محاولة استبدالها عبر الاستعانة بمنظمة الصحة العالمية ومنظمات أممية أخرى، تشرف عليه؛ لكن الجانب الأخطر تمثل في استهداف الجانب التعليمي.
الاستهداف تمثل في تحريض سابق بوجود مواد محرضة على الإرهاب والعنف، ادعاء تم تفنيده عبر تشكيل عديد اللجان التي قامت ب"تطهير المنهاج من خلال دراسة 152 كتابا يدرس في مدارس الأونروا"، وفق ما يصنفّها علي هويدي المختص في شؤون اللاجئين.
يقول هويدي، إن هذه الدراسات نتج عنها عديد التعديلات؛ لكن التقرير الأخير الصادر برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا، دعت إلى ضرورة إعادة النظر في مواد تحريضية، استشهدت على واحدة منها وهي "اعتبار القدس عاصمة للشعب الفلسطيني، وهو أمر يثير الكراهية، وفق نظر الوزيرة الفرنسية".
يرى هويدي أن عملية الاستهداف هنا تأتي في سياق شطب العناوين الوطنية بشكل كامل عن الجيل الفلسطيني، إلى جانب الغاء تدريس الآيات القرآنية التي يتم ادراجها في المواد المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
** الاستهداف
ولضمان تفريغ الأونروا من أي مهمة حقيقية لها وحصر امتدادات تفاعلاتها في قضاياها الداخلية والأخرى الوطنية، خاصة تلك المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، نصّ التقرير الأممي على ضرورة حلّ هذه الاتحادات بزعم أنها مسيسّة، في مشهد رأى فيه نقابيون في الأونروا، محاولة بائسة للنيل من المؤسسة الدولية وتفريغها من مضمونها.
وترافق الاتهام للاتحادات، مع إجراءات عملية قامت بها الأونروا من خلال تشكيل لجان عديدة لعدد من موظفيها، تتهمهم بالتحريض على السامية، وهي التهمة التي تشكل سيفا مشرعًا يرفعه الاحتلال ودوائر ضغطه العالمي، ضد كل من يرفض جرائمه وحرب ابادته ضد الشعب الفلسطيني.
وركزت لجان تحقيق الأونروا مع موظفيها حول تفاعلاتهم القضية الوطنية، واتهامات لعديد منهم بعدم الحيادية، وهي تهمة تلصق بأي موظف فلسطيني يناصر قضيته ويعترض على حرب الإبادة التي تشنها سلطات الاحتلال، مع ذلك وفق مراقبين في الأونروا، لم يثبت أن هناك تحريض على السامية.
واستغربت حركة حماس في بيان صدر عنها، السبت، عن الصمت الدولي تجاه تشجيع موظفين اممين لقضايا بلادهم، فيما تلصق تهم الإرهاب والتحريض ضد الفلسطيني الذي يتفاعل مع قضيته الوطنية.
كما استغربت الصمت العالمي والمنظمة الدولية عن استشهاد 180 موظفا من موظفي الاونروا على يد الاحتلال في حرب ابادته المستمرة ضد القطاع.
** الحيادية
تفريغ الأونروا من مرافقها، جاء واضحا عبر استهداف شامل لأكثر من 160 مرفقا حيويا لها؛ لكن المستغرب أن التقرير الأممي لم يرد على هذه الجريمة من قريب أو بعيد، كما لم يشر للمجازر المروعة التي استهدفت مقرات الأونروا والنازحين المقيمين فيها، والتي شهدت عمليات اعدام مريعة، ومجازر أكثر وحشية.
غير أن كمال الكحلوت رئيس مركز اللاجئين للدراسات، قال إن هذه التوصية هي محاولة خبيثة لعدم ترميم المباني المتعلقة بالأونروا وابقائها مدمرة، ومحاولة للتنصل من الالتزامات المتعلقة ببنية المؤسسة الدولية.