مقال: اتفاق العصا والجزرة

مصطفى الصواف
مصطفى الصواف

مصطفى الصواف

الاتفاق الإيراني مع مجموعة خمسة زائد واحد أي أعضاء مجلس الأمن الدولي مضافة إليهم ألمانيا والتي جرى بين الطرفين في جنيف من أجل معالجة التوجه الإيراني نحو الاستخدام السلمي للطاقة النووية والذي لم تقتنع أمريكا والغرب أنه هدف المشروع الإيراني أي أن ما تسعى إليه إيران هو تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية وليس للأغراض السلمية.

الاتفاق رغم التوقيع عليه بين الطرفين إلا أنه أبقى حالة الشك تجاه إيران في أنها لن تلتزم بما تم الاتفاق عليه وتبقي مشروعها للأغراض السلمية، حيث أشار الاتفاق إلى أن الهدف من المحادثات هو التوصل إلى حل شامل وطويل الأمد يفضي إلى الطمأنة بان برنامج إيران النووي سلمي بحت، وان إيران تجدد التزامها بعدم السعي لامتلاك السلاح النووي تحت أي ظرف، كما اتفق الطرفان على أن هذا الاتفاق يمهد لخطوات أولية ينبغي اتخاذها خلال فترة معينة لإزالة الهواجس القائمة، والاتفاق يتحدث عن الحل الشامل الذي يركز على برنامج للتخصيب محدد بأطر ونسب تم التوافق عليها بحيث لا تزيد عن 5% مع وضع تدابير شفافة لحصول الاطمئنان على سلمية البرنامج النووي الإيراني وهذا يجعله خاضعا لعمليات التفتيش الدولية بشكل مستمر، أي وضع البرنامج تحت الرقابة والمتابعة لاستمرار التأكد من سلميته.

الاتفاق لم يؤد إلى رفع الحظر المفروض على إيران من مجلس الأمن الدولي مرة واحدة ولكن بنظام الخطوة خطوة وهو مرتبط بمدى قناعة المراقبين بالتزام إيران بسلمية برنامجها، وان الحظر سيرفع عن إيران تدريجيا إذا التزمت بالاتفاق.

هذا الاتفاق من وجهة نظري يعتبر نجاحا للدبلوماسية الإيرانية التي عملت طوال الوقت على العمل في مشروعها النووي السلمي كما تؤكد على ذلك ولم ترتعد أو يصيبها الخوف من التهديد والوعيد وفرض الحظر والتهديد باستخدام القوة، وفي نفس الوقت لم تغلق الباب أمام الدبلوماسية والحوار والنقاش مع السماح بين الحين والآخر بفتح المنشئات النووية أمام الرقابة الدولية في حدود ما تسمح به الحكومة الإيرانية، رغم أن الاتفاق يفرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني ويعمل على تحجيم قدرات إيران لعدم الوصول إلى إنتاج السلاح النووي ويبقي البرنامج سلميا.

الإدارة الأمريكية قادت وشجعت مجموعة الخمسة زائد واحد على الحوار والجلوس على طاولة المفاوضات لأنها وجدت أن التهديد باستخدام القوة لن يكون في صالح الإدارة الأمريكية وقد يشكل منزلقا جديدا في الدخول في معركة جديدة بعد تجاربها الفاشلة في العراق وأفغانستان، وان التدخل العسكري قد يشكل ضررا كبيرا على مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة وخاصة (إسرائيل) وبعض دول الخليج العربي، كما أن التناغم الإيراني الأمريكي في الساحة العراقية والتفاهمات بين الجانبين خدمت فكرة الجلوس والتحاور وأضيف عليها اليوم الساحة السورية والتي تلعب إيران فيها بشكل علني يخالف ما تسعى إليه أمريكا لذلك جرت عمليات مقايضة بين إيران وأمريكا في الملف السوري مقابل التوصل إلى اتفاق الخمسة زائد واحد.

هذا الاتفاق لم توقع عليه إيران إلا بعد أن شعرت أنه يحقق لها حلولا متوازنة فهو ابقى مشروعها النووي وسمح بالتخصيب في حدوده الدنيا وهذا يعني أن إيران نجحت في الاحتفاظ بالبرنامج النووي ورفع الحظر المفروض من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وأمريكا ولو بشكل جزئي، وفي المقابل تعتقد الولايات المتحدة أنها حققت ما تريد وقيدت المشروع الإيراني بحيث لا يخرج عن نطاق السلمية وأبقت الخيار العسكري قائما كنوع من الردع لإيران حتى تلتزم بما تم التوافق عليه وهي بذلك وصلت لما تريد دون تدخل عسكري قد يكلف أمريكا مليارات وخسائر بشرية وسياسية كبيرة في ظل أزمتها الاقتصادية، وفي نفس الوقت حافظت على مصالحها وتحالفها في المنطقة وهي تعتقد أن هذا الاتفاق يحفظ امن (إسرائيل) في المقام الأول.

الاتفاق قيد الاختبار وحسن النوايا لدى الطرفين المتعاقدين هو سيد الموقف والمصالح الأمريكية الإيرانية لعبت دورا كبيرا في التوصل للاتفاق، ولكنه اتفاق هش يمكن أن ينهار في أي لحظة فيما لو اختلفت المصالح الأمريكية مع المصالح الإيرانية وتعود لعبة العصا والجزرة مرة أخرى بين الطرفين.

البث المباشر