للحرب الإسرائيلية على غزة وجوه كثيرة من القسوة والمعاناة، ضحاياها لا ينزفون دماً فقط، بل النزيف قد يكون أحلاماً ومستقبل حياة.
وعلى الرغم من الجراح والألم والاستهداف المتعمد للمراكز التعليمية، يتمسك الغزيون بأحلامهم ويرسمون أملًا في وسط الويلات التي يتسبب بها العدوان الإسرائيلي المستمر للشهر السابع على التوالي.
أمام جهازه الحاسوب، استجمع مجدي نصار (22 عامًا) قواه واستعدّ من على سرير العلاج بمستشفى كمال عدوان الطبي، استئناف الحياة وتقريب مسافات الحلم رغم المصير المجهول وعدم الاستسلام لإصابته التي أدت إلى بتر ساعده الأيمن وكسور وقصور في أعلى الرجل اليمنى.
تخرج مجدي من قسم هندسة البرمجيات والأمن السيبراني، وكان يعدّ اللحظات حتى يتمكن من إنجاز مشروعه التخرج، والتفرغ إلى عملٍ في عدة شركات متخصصة بمجال دراسته، لكن بصاروخين من نوع PUK كما حدده مجدي، غيّر كل الأولويات وحوّل الأحلام الجميلة إلى كابوس.
يقول مجدي نصار لـ "الرسالة نت": "على مدار السبعة أشهر من الحرب المستمر على قطاع غزة، استهدفت عائلتي من قبل قوات الاحتلال أربعة مرات في منازل مختلفة وخرجنا منها بسلام باستثناء الاستهداف الثالث".
"حوصرنا 14 يوماً في منطقة الفاخورة ودخلت علينا الجرافات وسقطت علينا قذائف الدبابات وقنابل الغاز ما أدى إلى استشهاد جدتي وزوج عمتي وعمي وهم مقعدين لا يقوون على المشي". مضيفًا.
وأوضح أنه وبعد العديد من المناشدات حضرت الإسعافات وأنقذتنا من حصار الفاخورة الذي استمر 28 يوماً.
واستكمل: "وفي السادس من شهر يناير لهذا العام، وبعد انسحاب قوات الاحتلال من منطقة الفاخورة شمال قطاع غزة توجهت عصر ذلك اليوم إلى منزلنا للاطمئنان عليه"، مستذكرًا جاثمين الشهداء التي كانت منتشرة على جانبي الطريق "جراء المجازر التي ارتكبها بحق المدنيين في المنطقة".
وأضاف الشاب نصار: "ما أن دخلت المنزل حتى تم استهدافه بصاروخين من نوع PUK والذي دفع جسدي من الطابق الأول ليسقط على بعد 7 أمتار من مكان الاستهداف وكفة يدي انفصلت عن ساعدي".
لم يستلم الشاب مجدي لتلك الإصابة وذلك المصاب ما دام في الجسد روح، فأخذ يزحف على رجله اليسرى وجروحه تنزف حتى رآه أخاه الذي كان قادماً لتفقد منزلهم مثل شقيقه.
وقال: "حملني أخي وسار بي ما يقارب المائة متر متجهاً بي إلى المشفى حتى وجدنا عربةً تجرها دراجة نارية وركبنا بها إلى أن وصلتنا سيارة الإسعاف ونقلتني إلى مستشفى كمال عدوان الطبي الذي كان أعيد فتحه مجدداً بعد اقتحام العدو الصهيوني له، وعندما وصلت كان دمي قد وصل إلى 5 وفي حالة صحية صعبة".
وأوضح الشاب مجدي أن شظايا الصواريخ انتشرت في الجهة اليمنى من جسده، مخلفة بتر في اليد اليمنى وكسور في منطقة الفخذ والزر الأيمن، فضلاً عن شظايا في الوجه وخلف الرأس.
وقال بلسان حامد لله: "أثرت الإصابة على الأوعية والأعصاب للجانب الأيمن والتي تم وصلها خلال العملية الجراحية وعمل بلاتين داخلي وخارجي للفخذ في عملية جراحية أخرى بمستشفى العودة".
ولفت النظر إلى أن الإصابة أثرت على صحته وحرمته من المشي بشكل طبيعي، موضحاً: "أعاني حالياً من فقدان الساعد الأيمن، وقصور في عظمة الفخذ وكذلك عظمة الزر، وجزء كبير من الجانب الخلفي للفخذ غير موجود".
وأضاف بحزن وألم: "لن أستطيع الركوع أو السجود في الصلاة، ولن أستطيع ثني قدمي أو السير بشكل طبيعي إلا إذا تم تحويلي للخارج، لعدم توفر الإمكانيات المتعلقة بإصابتي".
وتابع نصار وهو يحمد الله على ما أصابه: "كنت على وشك التخرج من قسم هندسة البرمجيات والأمن السيبراني وأعمل على مشروع التخرج، إلى جانب عملي في عدة شركات متخصصة بمجال دراستي".
واستدرك بألم: "الحمد لله كله راح، لا ضل شركات ولا أجهزة ولا شي، وحسبنا الله ونعم الوكيل"، معرباً عن أمله في انتهاء الحرب "والنصر قريب".
وناشد الشاب نصار المنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية العمل على مساعدته في الخروج لإتمام علاجه بالخارج وتركيب طرف صناعي لليد وعلاج الأوتار والأعصاب في القدم اليمنى "كي أتمكن من المشي بشكل طبيعي، فضلاً عن إدخال الأدوية والعلاجات لمدينة غزة وشمالها"..