قائد الطوفان قائد الطوفان

الحرب لم ترحم ضعفهن

الحوامل في غزة.. إجهاض وإجهاد ووحام على المستحيل

الرسالة نت - خاص الرسالة نت

قبل الحرب بيوم واحد تلقت آلاء سعد الله خبر حملها بعد ثلاث سنوات من زواجها، لم تسعها الفرحة وبدأت تتخيل غرفة مولودها وكيف ستكون حفلة أسبوعه حسب طقوس عائلتهم، حتى فكرت باتباع نظام غذائي طوال فترة الحمل لتعتني بصغيرها كما تقول.

كل مخططات آلاء أصبحت ضربا من الخيال، بعدما نزحت من بيتها غرب مدينة غزة إلى المنطقة الوسطى لدى الأقارب فهي فضلت الذهاب إليهم بحجة أنها منطقة آمنة، لكن لم يمض على حملها سوى ثلاثة شهور لتخرج من البيت بعد قصف بيت الجيران.

تقول لـ (الرسالة نت) إنها عانت كثيرا، حاولت النزوح من أجل الاهتمام بجنينها والتغذية الجيدة، لكن بعد أربعة شهور تقريبا وجدت نفسها في خيمة على البحر في منطقة الزوايدة، وأصبح غذائها المعلبات سواء "الخضار أو اللحمة" التي يحصلون عليها من المعونات الإغاثية.

وتضيف:" فترة الحمل انقطع البامبرز وملابس الأطفال، حاولت تدبر الأمر خاصة وموعد ولادتي اقترب (..) ساعدتني النازحات في الحصول على أهم المستلزمات"، مشيرة إلى أنها لم تحصل على الغذاء اللازم ولا حتى الوضع النفسي الجيد كحال الأمهات الحوامل قبل الحرب.

وتحكي بحرقة:" صدف موعد ولادتي ثاني يوم من مجزرة النصيرات قبل ثلاثة أسابيع (..) شعرت بخوف شديد تخيلت لو يقتحم الجنود المستشفى ويسرقون طفلي (..) لم أشعر بألم الولادة من شدة تسرعي لانتهاء العملية والذهاب إلى الخيمة فالمستشفى بالنسبة لي مكان مستهدف".

وتضيف:" بعد الولادة زاد خوفي على ابني خاصة بعد استهداف المدنيين في الخيام (..) لا أحلم في بيت ولا غرفة لطفلي فقط أريد الأمان له".

حالة آلاء واحدة من مئات السيدات الحوامل اللواتي يعانين سوء التغذية والخوف والهلع وقت الحرب على قطاع غزة، ووفقاً لمنظمة كير الدولية، يتعرض النساء الحوامل في غزة بعد تسعة أشهر من الحرب إلى مخاطر الإجهاض والوفاة أثناء الولادة بنسبة ثلاثة أضعاف.

ويوجد حالياً أكثر من 50,000 امرأة حامل في غزة، مع توقع ولادة حوالي 180 امرأة يومياً.

 استنشقت الفسفور وأجهضت الجنين

في مخيم البريج، عادت سارة بعد رحلة نزوح دامت مدة ثلاث شهور، وفي خيمة على شاطئ بحر دير البلح خسرت جنينها بعدما حملته في بطنها أربعة أشهر.

تقول لـ "الرسالة نت":" لسوء التغذية والخوف الشديد وقت القصف واستنشاقي للفسفور الأبيض وقت النزوح حين خرجنا من المخيم إلى المناطق الآمنة كما يدعي الاحتلال، لم يمض على نزوحي سوى أسبوع حتى أجهضت أول فرحتي".

وتضيف:" مرحلة الوحام ألغيت من قاموس الحوامل، فلا فاكهة ولا خضار ولا لحوم ودجاج موجود، وكنت أعاني بصراحة خاصة وأنني اشتهيت البيض كثيرا لكنه لم يتواجد في السوق، حاول زوجي البحث في البيوت ويسأل من لديه دجاج بلدي لنشتري البيض لكن لا أحد يجيب".

وتكمل حكايتها:" أكرمني الله بالحمل في شهر رمضان، وكنت عدت إلى بيتي (..) تأقلمت على القصف وعدم الخوف (..) كل ما أريده هو إنجاب طفلي بعيدا عن الحرب، لا أريد طعاما ولا شرابا فقط طفل سليم معافي".

أما في شمال قطاع غزة كان لسهى تجربتها الخاصة، فهي عاشت المجاعة في شهور حملها الأولى، تمنت لو بيضة مسلوقة أو كوب حليب أو حتى عصير برتقال، بقيت تقاوم من أجل صغيرها.

تحكي لـ "الرسالة نت" حكايتها أنها فترة حملها نزحت سبع مرات واحدها كادت أن تفقد حياتها حين حوصرت وعائلتها في منطقة الجلاء حيث الدبابات والأحزمة النارية، ووقتها بدأت تنقطع المعلبات.

تعلق بسخرية " ثلاث دجاجات أنقذن حياتي، كنت أحصل على البيض وأشارك الصغار الموجودين في مكان نزوحي (..) كنت أمنح الدجاجات حصتي في اللحمة المعلبة مقابل أن أكل بيض".

وتتابع:" كنت أشتهي طبق سلطة الخضار لكن لم نتذوق جميعنا أي نوع ووصل دمي إلى 7، عانت كثيرا وخشيت أن أفقد جنيني لكن ولد قبل ثلاثة شهور وبات يفزع لصوت القصف".

أما عن غذائها اليوم تقول:" زرع زوجي بعض الخضراوات في سطح المنزل، اللحوم مقطوعة، لكن لدي مخزون من الفاكهة المجففة أتناوله من أجل طفلي".

وتعيش سهي اليوم على ركام بيتها الذي تلف جدارنه بأغطية النوم، فبدلا من أن تغني لصغيرها وقت النوم الطائرة الزنانة تقوم بالمهمة كما تحكي بامتعاض، لكن تحمد الله أنها أنجبت دون أن تتعرض للمخاطرة خاصة وأنها أنجبت قبل اقتحام الجيش (الإسرائيلي) لمستشفى الشفاء بأسابيع قليلة.

 المجاعة ترفع نسبة الإجهاض

بدوره يقول طبيب النساء والولادة محمد صبيح "نحن نعيش أوضاعا غير عادية، ولا يمكننا أن نفعل أي شيء إلا أن نحاول إنقاذ حياة النساء وأطفالهن.

ويضيف الطبيب بشيء من الحسرة، "للأسف كنا نفقد عددا من الأجنة أثناء الولادة أو حتى الأمهات، بسبب ضعف أجسامهن وعدم قدرتهن على تحمل الآلام وكذلك افتقارهن للمناعة اللازمة لحمايتهن من الموت أو الإجهاض".

وفي ذات السياق، أكدت رتيبة النتشة عضو هيئة العمل الوطني والأهلي الفلسطيني، ارتفاع نسبة الإجهاض لدى النساء الحوامل في غزة إلى 10 حالات يوميا جراء تعرضهم للإجهاد الشديد مع استمرار حالة النزوح من مكان لآخر بالإضافة إلى نقص المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية.

وقالت النتشة في مقابلة مع قناة النيل الإخبارية، إن "المعاناة الإنسانية التي تتعرض لها النساء الحوامل تفوق الوصف خلال تواجدهم بالخيام المكتظة بالنازحين مع انعدام الإمكانيات وافتقار وسائل النظافة الشخصية ونقص المياه، مما يعرضهم لمضاعفات خطيرة خاصة بعد الولادة".

وأشارت إلى أن الطواقم الطبية في غزة منهكة بعد 9 أشهر من العمل دون توقف مع استمرار العدوان على القطاع، مما يعرض حياة النساء الحوامل والمواليد للخطر جراء خروج معظم المستشفيات عن الخدمة وصعوبة تلقى الخدمات الطبية مع توقف الأجهزة والمعدات جراء نقص الوقود اللازم لتشغيلها.

وأوضحت أن المجاعة سجلت مستويات غير مسبوقة في شمال غزة مع تفاقم الأوضاع الإنسانية ونقص المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب مع استمرار القصف الذي يستهدف كافة المناطق في القطاع.

 

 

 

 

 

البث المباشر