الدكتور خميس الإسي

جبل المحامل في حرب غزة

خاص- الرسالة نت

لم يكن البروفيسور خميس الإسى قد فطن إلى الشبه الذي بين صورته البسيطة ولوحة الفنان سليمان منصور الشهيرة (بجبل المحامل) والتي رسمها عام 1973 ليجسد فيها رجل طاعن في السن يحمل القدس على كتفيه ويسير مهاجرا، لكنه فور أن رأى الصورة تذكرها، ثم باللغتين العربية والإنجليزية كتب على صفحته: مسلسل “التهجير تحت النار” الذي لا ينتهي.. هجرة اضطرارية مؤقتة مع كل العائلة والأولاد للمرة ال١٤ في مدينة غزة منذ أكتوبر 2023.

يحكي الدكتور الإسي كيف وقف أمام ابنة شقيقته التي التقطت له صورة أثناء نزوحه مرة أخرى من بقايا بيته في تل الهوى وهو يحمل غزة المتجسدة بمتاع عائلته فوق أكتافه، ويبتسم للصورة التي انتشرت عبر شبكات التواصل بل وتناولتها مجلات عربية وعالمية تبحث عن الدكتور خميس وتعرف عنه أكثر.

الطبيب الغزي كان يسترجع رحلة طويلة من الصمود، لحي الدرج ثم حي الزيتون، ثم إلى تل الهوى، ثم عائدا مرة أخرى إلى الدرج، ثم تكرر النزوح الرابع عشر وهو لا يعلم هذه المرة إلى أين، أو هل سيكون نزوحا أخيرا، رافضا كل عروض العمل التي قدمت له من جامعات أجنبية وعربية لينجو بنفسه مع أبناءه، مصرا على إكمال عمله كبروفيسور ومدرس في كلية الطب بالجامعة الإسلامية .

لم يكن الإسى مجرد طبيب أعصاب عادي، فهو المتخصص بطب الألم والحاصل على شهادة الزمالة الفخرية من جامعة أكسفورد، بل وسجل اسمه كأول عضو عربي للهيئة التدريسية، بل وعضو في زمالة كامبردج لتطوير الواقع الصحي في الشرق الأوسط، وعضو في منظمة الصحة العالمية بصفته خبير في طب الألم.

في بداية 2023 حصل على لقب أفضل خريج من جامعات الشرق الأوسط منذ مائة عام، لتميزه في عمله في طب الألم، تميز نادر في الشرق الأوسط، يعكس الصورة التي لا يعلمها العالم عن غزة.

منذ نشوب الحرب بدأ يفكر كثيرا في حياته، وحمله الذي أثقلته الحرب، يعمل براتب قطعته الحرب وأصبح نادرا، يركض وعائلته من نزوح لآخر، وثابت على موقفه في مدينة غزة، يحارب مجاعة ضربت بطون أطفاله، ولا زالت ابتسامته تشرق ويواصل عمله متنقلا بين المستشفيات .

يقول : سكنت منزلي الجديد قبل بداية العدوان بـ3 أشهر فقط، وكنت أسست عيادتي الجديدة مُجهزة بأحدث الأجهزة الطبية لعلاج الألم وحقن المفاصل، وكان من المقرر افتتاحها لكن الحرب حطمت كل ما خططت له.

وأضاف: كل القصف الإسرائيلي بدأ من تل الهوا خاصة وأنها منطقة الأبراج، وطال القصف منزلي الجديد وعمارتي التي لم أسكنه سوى 90 يومًا ودمرت عيادتي وأجهزتي الطبية وهي جديدة قبل أن تعمل.

باع مصاغ زوجته، وسيارته، ومال على رفاق النزوح والتشرد، والوجع طال والحرب نهايتها لا تلوح في الأفق، ولكن الطبيب خميس الإسى لا زال متشبثا برسالة ووطن، يعرف أنه سينتصر في النهاية .

البث المباشر