ثلاثة شهداء من الضفة الغربية المحتلة، قصيرة رحلتهم، عميقة على صغرهم، كأعمارهم اليانعة، بين الطفولة والصبا، حيث تتوجه الأحلام نحو طريق مختلف عن طرق الرجال والأطفال، لكن ثلاثتهم اختصروا الطرق والسنوات، فكبروا دفعة واحدة، فتحول العمر الصغير لفعل الرجال، بل الأبطال.
تجمعهم قصة واحدة، أسير شبل، ثم مفرج عنه في صفقة تبادل، ثم التحاق بكتائب القسام وبطولة فاستهداف واستشهاد، هكذا في أقل من عام كانت التجربة أكبر من أن يكتب عنها.
في الثاني عشر من هذا الشهر استشهد طارق داوود ثم احتجز الاحتلال جثمانه بعد مطاردته داخل قلقيلية، وداوود لم يكن يوما قصة عادية، بل هو شاب أسير سابق لم يتجاوز الثمانية عشر أفرج عنه في الشهر الثاني من عمر هذه المذبحة.
مطارد شاب، اقتحم الاحتلال منزله عدة مرات بعد الإفراج عنه، وبعد مطاردة لتسعة أشهر أطلقوا النار عليه وصادروا حقه في الدفن، ويدعي الاحتلال بأن داوود هو المسؤول عن عدة عملية إطلاق نار في شمال الضفة.
داوود واحد من ثلاثة فتية التحقوا بكتائب القسام بعد الإفراج عنهم في صفقة تبادل الأسرى خلال هذه الحرب، رفضوا العودة لحياتهم العادية، ولا لعائلاتهم، وظلوا هكذا مطاردين حتى اغتالتهم قوات الاحتلال في أماكن متفرقة خلال الدفاع عن الوطن، والثبات في وجه عواصف الاحتلال التي لا تمل، فيزدادون قوة ويتوالدون واحدا تلو الآخر، فتية يحملون أرواحهم على أكفهم.
طارق داوود كان يتحدث إلى صديقه ويقول له في حوار أخير سريع:" يا زلمة أنت عارف كم شهيد راحوا عشان أطلع، كيف بدي أنسى دم هؤلاء، كيف بدي أخونهم، إللى فداني بدمه أفديه بروحي".
وقد هدم منزل داوود في قلقيلة بعد استشهاده، لأن قهرا أصاب المحتل من شبل في هذا العمر أطلق النار بكل جرأة على مفارق الطرق المؤدية إلى الاستيطان، وأصاب اثنين إصابة خطيرة .
بعد أيام استشهد وائل مشه، من مخيم بلاطه، التحق أيضا بالكتائب بعد تحرره من الاعتقال، شاب في السابعة عشرة، اشتبك من مسافة صفر، في بيته، كان يردد على مسامع أمه، الله مولانا ولا مولى لهم، وقبل أن يرتقي لوح بيديه إلى أمه مودعا، راحلا من كل حياة الصبا، إكراما لأرواح الشهداء، لوحت أمه وقالت:" عرفت لحظتها بأن ابني شهيد".
فعله فعل الأبطال، ولكننا لا ننسى القهر على وجه وائل حين خروجه من المعتقل وهو يصرخ:" ضربونا وأهانونا، يجب أن يخرج جميع الأسرى، منعونا من الفورة وحتى من دخول الحمام، بدي المقاومة ما تخلي عشرة في السجون" ثم قال:" غصة كبيرة كتير في قلبي على شهدائنا في غزة".
وفي السادس والعشرين من هذا الشهر، ارتقى شبل ثالث، وهو جبريل جبريل استشهد مع 4 آخرين في عملية اغتيال للاحتلال الإسرائيلي من خلال قصف لطائرة مسيرة على مخيم نور شمس شرق طولكرم.
يقول شقيقه: " أخوي جبريل انسجن مرتين، مرة لعشرة أيام، ثم بعدها بأسبوع أفرجوا عنه وأعادوا اعتقاله، حتى أفرج عنه في صفقة التبادل الأخيرة، سألناه جميعا بعدها، هل هذه هي الطريق التي ستمشيها، فرد علينا: كيف روحت من السجن، بصفقة، أنا لازم أسد الدين اللي عليّ".
وكان جبريل ابن الكرامات من صغره" يضيف شقيقه: "وهو ابن الحادية عشر رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في منامه، وحارب معه، ودخل إلى الأقصى برفقته، وها هو الحلم يتفسر، استشهد أخي في عمر الثمانية عشر، وهو يعلم أن ألفا مثله سيخرجون من الأرض بعد استشهاده ليكملوا طريقا بدأها".
الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور علق على انضمام الشباب لصفوف المقاومة في مقابلة مع الرسالة قائلا :" هذه المحاولات ليست غريبة ولا جديدة وتظهر أن الشباب الفلسطيني لا يردعه الاحتلال، رغم اعتقاد الاحتلال بذلك، فهؤلاء يخرجون ليكملوا عملهم المقاوم، لأنهم يعتبرون الاعتقال جزءا من مقاومتهم".
الدلالة الأهم أن هذا الأمر غير جديد ولا مستغرب على مدار التاريخ الطويل من المقاومة، هناك شباب عرفناهم وآخرين لم نعرفهم ولن نعرفهم سوى بعد استشهادهم، وستخرج في المستقبل مفاجأت لا نعرفها ولا نتوقعها، والاحتلال لا يستطيع القضاء عليها لأن طوال سنوات القمع يعمل هذا الشعب على تجاوزها غير خاضع للردع، بل بالعكس الضغط وعمليات التنكيل هي أدوات تزيد من رفع روح المقاومة لدى هؤلاء الشباب لذلك فإن هذا الأمر غير مستغرب ولا يموت حسب قول منصور.