خاص| شُجاع الضفة شهيدا

خاص- الرسالة نت

جميعنا نذكر أبو شجاع، المناضل الشاب المعتصم في مخيم نور شمس بطولكرم في الضفة الغربية المحتلة منذ سنوات، يطارده الاحتلال ولا يستطيع الوصول إليه، بل روج لخبر استشهاده في إبريل الماضي ثم ثبت كذبه، قبل أن يختم حياته القصيرة بالشهادة التي كان يركض خلفها ويتمناها.

وفي الشهر الماضي أصيب أبو شجاع، وحينما نقل إلى المستشفى للعلاج حاولت قوات تابعة للسلطة الفلسطينية اعتقاله، فهب الأهالي دفاعا عنه، وحينما أخرجوه من المستشفى محمولا على الأكتاف ضمنوا له وصولا آمنا إلى مخيم نور شمس الذي أخاف الاحتلال لسنوات طويلة.

اليوم وفي عملية معقدة، يقرر الاحتلال أن يمدد إبادته إلى مخيمات الضفة، وعلى رأس أهدافه اعتقال البطل المرابط المسؤول عن التخطيط لعمليات كثيرة، ثم يعلن عن استشهاده قبل ساعات، وهو الخبر الذي أكدته مصادر فلسطينية أيضا.

الشاب محمد جابر أبو شجاع هو قائد كتيبة طولكرم التابعة لسرايا القدس في مخيم نور شمس بالضفة الغربية، وهو ابن لعائلة مهجرة من حيفا،  واحد من خمسة أبناء تجرعوا مرارة المخيم وتربوا على قصص التهجير التي سمعوها من أجدادهم فورثوا مقاومة المحتل وعدم التنازل عن حقوقهم بالعودة، فخرج مصقول الشخصية قوي كالرماح، مصر على مواجهة الاحتلال.

شارك أبو شجاع في تأسيس كتيبة طولكرم في عام 2022، وبعد مقتل القائد السابق للكتيبة سيف أبو لبدة تولى هو قيادة الكتيبة، وحاول الاحتلال اغتياله في إبريل الماضي في عملية مركبة على المخيم ارتقى فيها خمسة عشر شهيدا، وقد كان الاحتلال يظن أنه انتهى من مهمته وأجهز على البطل الشاب حتى خرج من تحت النيران حيا ومواصلا لمسيرته من خلال ظهوره في موكب تشييع الشهداء ذلك اليوم.

واليوم أعلن الاحتلال عن تمكنه من اغتيال المقاوم ضمن خمسة فلسطينيين حاصرهم منذ ساعات الفجر في المخيم خلال عملية طويلة أعلن عنها بالأمس مدمرا في طريقه الطرقات والمباني والبنى التحتية في المخيم.

ادعت قوات الاحتلال أن أبو شجاع تحصن مع رفاقه في أحد المساجد، حتى تبين أنه قد اغتاله في أحد المنازل بعد مقاومة شديدة في حملة أطلق عليها الاحتلال ( حملة المخيمات الصيفية)، حينما توجهت قوات في الثالثة فجرا، وتسللت إلى داخل المخيم حتى أن السكان وجيران المنزل لم يشعروا إلا بالقوات الخاصة تحيط بهم وتبدأ بإطلاق النار، ثم بإطلاق المتفجرات، ولم يكن لديهم فرصة الاختباء أو الهروب من المنزل.

اهتزت البيوت، قنابل ورصاص وأصوات انفجارات، خمس قذائف متتالية قصفت المنزل وسط صرخات الجيران ودون سابق إنذار، ولم يتأكد المواطنون رغم تناقل الأخبار بأن أبو شجاع قد كان موجودا في المنزل المستهدف، بل لم يجدوا جثة، اعتقلوا عشرات الشباب، وسحبوا الجثث بعد اغتيالها، ولم يكن هناك أي أثر للشهداء، سوى حذاء ملقى على الطريق دل عائلة الشهيد على حقيقة استشهاده ثم سحب جثمانه واحتجازها من قبل القوات الخاصة.

المنزل مهدم بالكامل، والمسجد المجاور أيضا، دليل على همجية الاحتلال، فإن لم يقتل كسر ودمر. 

لقد أكمل أبو شجاع طريق كتيبة طولكرم بجدارة، بل وعرفت المقاومة الفلسطينية امتدادا لجذورها عبر رجالها في المخيم ومن بينهم الشهيد ورفاقه، وقد قال في مقابلة له" عود المقاومة سيشتد أكثر باستشهادنا". 

لم يكمل أبو شجاع دراسته، لأنه قضى سنوات شبابه في غياهب السجون، فقد اعتقل لأول مرة وهو ابن سبعة عشر عاما كما تعرض لتجربتي اعتقال في سجون السلطة الفلسطينية واعتقل شقيقه عدي أيضا بسبب نشاط أبو شجاع وفقد شقيقه محمود شهيدا قبل أشهر، بل واقتحم منزل العائلة عددا من المرات ثم فجره الاحتلال قبل خمسة أشهر، في صورة تثبت مشاركة العائلات لأبنائهم المقاومين ثمن الثبات على المقاومة. 

وقد كان آخر ما كتبه الشجاع على صفحته في فيس بوك في منتصف هذا الشهر :" لا أظن أن يتعافى قلبي على الإطلاق، وسأظل أشعر أنني مقصر مدى الحياة، ولكن لا يمكنني طرد شعور سيء ينتابني كلما رأيت تضحيات الآخرين وما أصابهم، أرى اعتقالي ومطاردتي وخسارتي لمنزلي وبعدي عن أهلي وفقد أخي محمود وعدد من المقربين مني أمور عابرة مقابل طفل فقد أمه، او أب فقد طفله، أو أسير سيمضي في زنزانته عقود وهو بعيد عن أبناءه"

ويكمل:" ولكن أواسي نفسي أن الله سلمني لغاية، وأنني لم أختر التراجع بل اخترت دوما الأخذ بالعزيمة، ورغم ذلك لا زلت بينكم ، وأواسي نفسي بأنه من واجبنا إن خرجنا من هذه المعركة على قيد الحياة، أن نكون على قدر المسؤولية وأن نكون قوة لمن حولنا، وأن نبقى الأوفياء لمن ضحوا" 
رحل أبو شجاع مقبلا، ويكفيه شرف أن الاحتلال وصفه ذات يوم قائلا:" الشخص الذي زعزع الاستقرار في شمال الضفة" 

وهذه شهادة العدو الكافية كثيرا لتكون وساما يحمله الأبطال معهم ، أوفياء جدا، حتى في لحظاتهم الأخير ما قبل الرحيل.

البث المباشر