"أحقا قد تفرقنا وصرنا في دجى البعد
ويزعجنا تذكرنا لعمر الحب والسعد
وهل ننسى ليالينا وأيام من الود "
قد تمثلنا قصيدة رشاد أبو سخيلة، ذلك الوجع الكبير الذي أصاب غزة ولم تستسلم، رغم تحول كل حواريها إلى شلالات من الدماء، لم يوفر فيها الاحتلال اغتيال شاب ولا شيخ ولا امرأة وطفل، ولا كاتب يلوح بالقلم، لأنه يعلم أنه ربما أخطر عليه من رصاصة.
كان الشاب رشاد أبو سخيلة صاحب أحلام كبيرة، أكبر من عمره، فقد كان ذلك واضحا في حروف الديوان الأول للشاعر الذي لم يتعد 22 عاما، ولعل من ينظر إليه يعتقد أنه أكبر عمرا، ومن يسمعه يلقي الشعر يعتقد أكثر أنه مخضرم في الشعر، ثم يكتشف أن الشاعر المخضرم ولد شاعرا منذ طفولته، ثم كان بطلا دراميا، لمسلسل نكتشف لاحقا بأن فكرته تحققت في معركة طوفان الأقصى.
قال الفنان الشهيد ذات يوم في مقابلة سابقة :" الشعر عبارة عن شعور، وبسبب الاحتلال والواقع السياسي المؤلم خرجت قصائدي السياسية مكتوبة بإحساس مرهف، والجانب الروحاني هو علاقتي واتصالي بالله، ديوان مختلط بين الإيمان والوطن".
(حروف التراب) هو ديوانه الأول والأخير، قدم فيه قصائد تدل على عمق اللغة وتمكن صاحبها وفصاحته، التي كانت تنبئ بشاعر ثوري مقاوم، قبل أن تغتاله طائرات الاحتلال من أمام مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا، تاركا إرثا وصورة وصوتا، وقصيدة، وليس ذلك فحسب، بل مشاركا في مسلسل قبضة الأحرار، الذي كان رسالة قوية للعالم فضحت الاحتلال.
الشاعر الصغير بالعمر، كان يعتبر مخيم جباليا ملهمه الأول، رغم الحصار، وحياة المخيم إلا أنه كان يرى فيه الدافع الأول للثبات والإبداع، وقد كان على قدر كلمته، فثبت في المخيم لعشرة أشهر من هذه الإبادة ليغتاله الاحتلال في الشهر الحادي عشر.
شارك رشاد أبو سخيلة طالب الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية في مسلسل "قبضة الأحرار"، بل كان هو البطل الرئيسي للمسلسل، وقبل بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كان يستعد لتمثيل الجزء الثاني من المسلسل بصفته شخصية رئيسية أيضًا.
ارتقى أبو سخيلة وهو يتذكر اليوم الأجمل في حياته، يوم بثت إحدى قصائده بين أجهزة الاتصال بين المقاومين وشدت من حماسهم في حرب 2021 وكان ذلك مفرحا بالنسبة إليه يوم قال:
سأظل أنادي لا تهنوا ... نص القرآن يناديني
سأظل القن أسلحتي ... بثمار الحنضل والطيني
وهي واحدة من قصائد الشهيد الشاعر، المهجر، والمنتمي لأبطال المخيم، الذين قاتلوا بسلاحهم وعتادهم ورباطهم، وبالكلمة أيضا، وذاع اسمه في مسلسل ثوري مقاوم، والذي ترجم إلى لغات عدة، وانتشرت رسالته عبر العالم فكان أبو سخيلة جزءا من الأشكال الكثيرة للمقاومة التي تخيف الاحتلال، لأن للأدب والدراما حرب لا تقل ضراوة عن حرب البارودة.