طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

شتاء قاسٍ على أعتاب خيام النازحين بقطاع غزة

الرسالة نت- رزان الحاج

“عندما تبدأ  الأمطار كل فرد من عائلتي يتولى مهمة منهم من يوزع الأواني باتجاه ثقوب الخيمة، ومنهم من يزيل الأغراض عن الأرض لحمايتها من الغرق، وآخر يحمل عصا بيده يرفع فيها سقف الخيمة لمنع تجمع المياه فوقها،  ناهيك عن البرد الذي يتسلل لقلوبنا فلا جدران تحمينا ولا نوافذ تصد الرياح عنا."
بهذه الكلمات تصف عائشة المدهون إحدى النازحات في جنوبي قطاع غزة حالها وحال مئات آلاف العائلات التي تعيش في الخيام بعد أن دمر الاحتلال منازلهم وفرض عليهم التهجير القسري. 
في هذه الخيام الصغيرة تحولت حياة النازحين  من منازل واسعة تحمل الدفء والذكريات إلى خيام لا تزيد عن قطع قماشية رقيقة تُثبت على أعمدة خشبية أو حديدية، بالكاد تصمد أمام أول هبة رياح قوية. 
مع هطول زخات المطر تتحول الأرض تحت أقدامهم إلى مستنقعات طينية يتعثر فيها الأطفال والكبار، يتسرب منها الماء عبر الثقوب من سقف الخيمة. 
يروي أبو علي الصعيدي وهو أب لأسرة نازحة في مدينة دير البلح كيف أصبح أبسط التنقلات داخل المخيم مغامرة محفوفة بالمخاطر: “تجد نفسك تحاول القفز فوق برك الطين ولكن أينما تذهب تبقى محاصرًا بالماء والوحل.”
في محاولة لمواجهة البرد، يحاول بعض السكان تغطية سقف الخيمة بأغطية بلاستيكية إضافية أو حفر قنوات صغيرة لتصريف المياه حول خيامهم ؛ لكن حتى هذه الحلول المؤقتة غالبًا ما تفشل في مواجهة قسوة الطقس.

الطبيعة هنا لا تميز بين خيمة وبيت، ولا تعير الاهتمام لقلوب الأطفال التي ترتعش بردًا، لتصبح الحياة داخل المخيمات بمثابة صراع مستمر من أجل البقاء حيث لا وسائل تدفئة ولا معازل تقي العائلات من تسلل الهواء البارد ومياه المطر.

يبقى الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا، إذ يعيشون معاناة مضاعفة دون تدفئة أو ملابس كافية تقيهم من برودة الشتاء فهم أكثر من يواجهون خطر الأمراض الشتوية مثل نزلات البرد والالتهابات التنفسية، تجدهم يرتدون ملابس خفيفة قد تكون ممزقة أو قديمة، بالكاد تمنحهم بعض الدفء. 
تقول نور الدويك، النازحة في خيمة بمخيم النصيرات: “مر علينا الشتاء الماضي قاسيًا، كنت أُلبس أطفالي كل ما أملك من ملابس، لكن البرد كان يتسلل إليهم، وها نحن على أعتاب شتاء جديد بظروف أصعب، خاصة مع تمزق خيمتنا وندرة الملابس الشتوية في السوق وارتفاع أسعارها.”

بينما تحاول العائلات التكيف مع قسوة الحياة، يبقى الدخان الناتج عن إشعال النار للتدفئة معضلة أخرى تفاقم أوضاعهم الصحية فيقول أحد النازحين: "في الشتاء الماضي كنا نشعل النار ببقايا الأخشاب أو الكرتون للتدفئة، لكن الدخان يملأ الخيام ويسبب السعال لأطفالي فقضينا كل شتائنا الماضي ونحن نعاني من السعال ولم نجد علاجًا يخفف من حدته.”.
هذه المحاولات البدائية للتدفئة وإن كانت تمنحهم بعض الدفء المؤقت، فإنها في المقابل تزيد من معاناتهم الصحية، وتجعل الهواء داخل الخيام مشبعًا بروائح الدخان.

تحاول المؤسسات الدولية توفير المساعدات الإنسانية، ولكن ما يسمح الاحتلال بدخوله كمية لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية لجميع النازحين فالأغطية والملابس الشتوية نادرة وعندما تتوفر، تكون بالكاد كافية لعدد قليل من العائلات.

الأمر لا يتوقف عند حدود قلة المساعدات؛ بل إن القيود المشددة التي يفرضها الاحتلال على دخول الشاحنات المحملة بالإمدادات إلى القطاع تزيد من صعوبة الوضع. 
تبقى المواد الأساسية مثل الأدوية والمستلزمات الصحية في قائمة الاحتياجات التي لم تُلبّ بعد، ما يجعل معالجة الأمراض الناتجة عن البرد تحديًا صعبًا.

في غزة، تحول الشتاء إلى اختبار لصمود شعب لا يعرف الاستسلام، في كل خيمة تتجسد قصص الألم والتحدي، تتردد أصوات ترفض الانكسار أمام قسوة الحياة.
مع كل ليلة باردة تمر، يبقى الأمل حيًا في قلوب النازحين بأن يأتي يوم يعودون فيه إلى بيوتهم ليعيدوا بناء ما تهدم، ويستعيدوا دفء حياتهم المسلوبة.

رغم الظروف القاسية يحاول النازحون الحفاظ على الأمل، تجتمع العائلات داخل المخيم لتبادل القصص والذكريات عن الحياة التي عاشوها قبل النزوح يستمدون من أحاديثهم تلك بعض الدفء الروحي الذي يخفف من وطأة الأيام القاسية على أمل أن ينتهي هذا الفصل القاسي من حياتهم قريبًا.

البث المباشر