كانت نهاية الأسبوع حافلة بصور تحمل آمالاً كبيرة وسط هذه العتمة وهذا الشعور بالظلم والعجز، أمام هذه الآلة الهمجية الأميركية الصهيونية. في ذكرى الوعد المشؤوم، وعد بلفور، تجمّع عشرات النشطاء التونسيين، ليلة السبت ـ الأحد، في مساحة صغيرة قبالة السفارة الأميركية في تونس، على الرغم من البرد، تلبيةً لنداء المقاومة. كان من بينهم امرأة متقدمة في السن، جالسة لا تقوى على الوقوف، ولكنها كانت تحمل العلم الفلسطيني، وفي الجهة المقابلة أطفال صغار، جاؤوا مع عائلاتهم، لشرب روح المقاومة مع الحليب، حتى لا ننسى، وحتى يسلّم جيل جيلاً معنى أن تتمسك بالأرض.
راهن الأعداء على النسيان، وعلى الهجرة، وعلى جيل لن يهتم، ولكن تبيّن بعد عقود أن لا شيء من ذلك حدث. فهذا الجيل يعرف ويدرك ويضرب بكل قوة ويؤلم أيضاً. في ذكرى وعد بلفور المشؤوم، أزال ناشطون داعمون لفلسطين يوم السبت الماضي منحوتات لأول رئيس إسرائيلي، حاييم وايزمان، من جامعة مانشستر البريطانية. وفي اليوم نفسه، كان المدير العام لوزارة الصحة في غزة منير البرش، يقول من أمام مستشفى الرنتيسي الذي دمره الاحتلال، وأُعيد تأهيله: "نقول للاحتلال إن هدمت ألف مرة سنبني ألف مرة بإذن الله".
هي الرسالة، من قلب الخراب الذي تصورت إسرائيل أنه سيحبط العزائم، وتصورت أن قتل إسماعيل هنية أو يحيى السنوار أو حسن نصر الله سينهي الحرب، بينما تنهال الصواريخ على إسرائيل كأن كل هؤلاء لا يزالون على قيد الحياة ولا شيء تغيّر على أرض المعركة، على الرغم من الآلام التي يتكبّدها شعبا فلسطين ولبنان.
يوم السبت الماضي أيضاً، خرج أكثر من مائة ألف متظاهر وسط العاصمة البريطانية لندن للتنديد بموقف الحكومة البريطانية الداعم لحرب الإبادة الجماعية في غزة والعدوان الإسرائيلي على لبنان. وطالب المتظاهرون بوقف دعم إسرائيل بالسلاح، وممارسة الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف حربها على فلسطين ولبنان. هذه التظاهرة هي الواحدة والعشرون خلال العام الحالي في المملكة المتحدة التي تنظمها مجموعة من حركات التضامن مع فلسطين. وفي كلمته أمام المتظاهرين، قال النائب المستقل جيرمي كوربين: "نحن مسلمون ومسيحيون ويهود وهندوس وإنسانيون، نقف معاً لأننا نطالب بوقف إطلاق النار والصراع الدامي والاحتلال الإسرائيلي ولدعم الشعب الفلسطيني".
هي الرسالة بأن الإنسانية لا تزال تنبض في عروق كثيرين، على الرغم من كل الإحباط الذي أصابنا من مجتمع دولي جبان، بعضه متواطئ مع آلة القتل التي لا تتوقف، وبعضه يبرر قتل النساء والأطفال ويجد لذلك تفسيراً، ولكنها تلقى صدى ومحاولة وروحاً حية في قلوب شباب يؤمن بالحق والعدالة.