اسمه مصطفى القنيري، الحامل لرتبة مقدم في أجهزة السلطة الفلسطينية وهو يعلن انفصاله عنها، رفضا لكل الظلم الذي سقط على مدينة كاملة من قبل أجهزة السلطة.
في مشهدٍ مفعم بالحزن والغضب، وقف المقدم في جهاز الأمن الوطني التابع للسلطة الفلسطينية في ساحة مدينة جنين، ليخلع زيه العسكري أمام حشدٍ من المواطنين. كانت كلمات الضابط المدويّة التي أطلقها أمام الحضور هي بداية لنهاية علاقة طويلة جمعته بجهاز أمني اختار أن يكون طرفًا فيه، لكنَّه اليوم يتبرأ منه بشكل قاطع.
"أعلنُ براءتي أمام الله ورسوله وأمامكم جميعًا من هؤلاء القتلة"، هكذا صرخ الضابط وهو ينزع ملابسه العسكرية، في لحظة صادمة كشفت عن موقفٍ إنساني كان يختبئ وراء رتبته العسكرية لسنواتٍ طويلة. وعرف أهالي جنين أن هذا الضابط ليس شخصًا عاديًا في جهاز السلطة، بل هو المقدم الذي خدم في جهاز الأمن الوطني لسنواتٍ طويلة، وكان له دور مهم في تنفيذ مهمات متعددة، ولكنه الآن لم يعد يطيق ما يرى وما تجبره السلطة على فعله، وما وصلت إليه .
الحزن الكبير الذي حمله قلب هذا الرجل كان نتيجةً لما شاهده في الأيام الأخيرة في مدينة جنين، حيث تدور مآسي عدة في ظل العمليات العسكرية للأجهزة الأمنية ضد المقاومين. فالخطوة الجريئة التي اتخذها الضابط لم تكن إلا نتيجةً مباشرة للجرائم التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة بحق الشبان والمواطنين في المخيمات، آخرها إعدام الشاب ربحي الشلبي على يد أجهزة السلطة، وهي الجريمة التي فجَّرت غضب الضابط وجعلته يقرر اتخاذ هذا الموقف النادر.
المؤلم في هذه القصة هو أن الضابط المستقيل هو والد الشهيد المقاوم أمجد القنيري، الذي استشهد في مواجهات مع قوات الاحتلال .
هذا الفقد الكبير في عائلته، إلى جانب قناعته بأن سلطته الأمنية تحولت إلى أداة قمع بحق أبناء شعبه، جعله يرى أن لا مفر من اتخاذ موقف حاسم. فقد اختار أن يعلن براءته من هؤلاء القتلة الذين يذبحون الأبرياء ويلاحقون المقاومين في مخيمات ومدن الضفة الغربية.
كان الضابط، الذي لم يكن مجرد شخص في جهاز أمني، يراهن على أنه يمكنه حماية وطنه من خلال أدوات السلطة، لكنه فوجئ بتوحش الأجهزة الأمنية وقسوتها تجاه من يناضل ضد الاحتلال أو يسعى لرفع صوت الحق.
في تلك اللحظة، لم يعد بإمكانه أن يستمر في الانتماء إلى جهاز لا يحترم دماء الشهداء، ولا يقيم وزناً لمعاناة الشعب الفلسطيني. فاختار أن يخرج على الملأ في تعبير صادق عن رفضه لما يحدث، ولكي يؤكد أنه لا يمكن للمرء أن يقف مع القتلة، حتى لو كانت تلك سلطته التي تربى في كنفها طوال سنوات.
يعرف مصطفى القنيري ، والد الشهيد، أن الثمن الذي سيدفعه في الأيام القادمة لن يكون قليلا، ويعرف كل الصعوبات التي قد يواجهها جراء هذا القرار الجريء، من تهديدات وملاحقات، لكنه أعاد الأمل للكثيرين بأن الضفة الغربية، ورجالها لن يساوموا، ولن يتخلوا عن الحق وسيظل أبطالها متمسكين بقيمتهم الإنسانية والوطنية، التي وضعوا في أماكنهم لأجلها.