حادثة ليست بالجديدة، لكنها بلا شك وحشية، وصورة لمعاناة الأمهات التي لا تنتهي في الضفة الغربية. فقد اعتقلت قوات الاحتلال، قبل أسبوعين، حنين محمد عبد الله جابر (42 عامًا) أثناء مرورها برفقة زوجها على حاجز عسكري عند مدخل مدينة قلقيلية، وقد مددت محكمة الاحتلال احتجازها اليوم لعشرة أيام أخرى.
حنين، التي لطالما ناضلت لتوفير حياة كريمة لأبنائها، تحمل في قلبها ثقلًا مضاعفًا؛ إذ أنها أم شهيدين، محمود ومحمد سامر جابر، اللذين استشهدا في مواجهات مع قوات الاحتلال في وقت سابق. على الرغم من فراقها الدائم لأبنائها، لم تتوقف حنين عن تقديم كل ما يمكن من أجل وطنها وأبنائها، بما في ذلك الوقوف بصلابة أمام التحديات التي يفرضها الاحتلال.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطارد فيها الاحتلال عائلة جابر. فإضافة إلى فقدانها لأبنائها، يقبع في سجون الاحتلال ابنها المعتقل أحمد منذ أكثر من 30 شهرًا في سجن جلبوع، بعيدًا عن أسرته وعيني والدته التي تشتاق لرؤيته.
وقال إبراهيم النمر، مدير مكتب نادي الأسير في طولكرم، إن اعتقال حنين جابر يأتي في إطار سياسة الاحتلال الرامية إلى الضغط على العائلات الفلسطينية ذات الخلفيات النضالية. ورغم الظروف القاسية التي تعيشها، تظل حنين جابر صامدة، ترفض الاستسلام للواقع، وتتمسك بالأمل في يوم يلتقي فيه شمل أسرتها مجددًا.
حنين جابر ليست مجرد أم لأبناء فلسطينيين، بل هي اسم في قائمة الأمهات الفلسطينيات اللواتي لا يتوقفن عن التضحية والصبر في وجه آلة الاحتلال الجهنمية. في قلبها، يختلط الألم بالفخر، والحزن بالأمل، لتظل هي وكل أمهات فلسطين رمزًا للنضال المستمر.
لكن قصة حنين ليست وحدها، فهناك العديد من الأمهات اللواتي يواجهن نفس المصير. تحاول سلطات الاحتلال، من خلال اعتقالهن، إضعاف عزائمهن وفرض واقع مرير على أسرهن. ولكن، هذه الأمهات هن رمز للصمود والتحدي، يثبتن للعالم أنهن أكثر قوة وصلابة من أن يتمكن الاحتلال من كسر إرادتهن.
وفي 14 من أكتوبر، اعتقلت أفنان أبو حسين (24 عامًا) من الخليل، وهي حامل بعد اقتحام منزلها في مدينة الخليل، حيث تم مداهمة منزلها في بلدة بني نعيم شرق الخليل.
منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، تعيش الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال تحت وطأة تصعيد غير مسبوق، يعيد إلى الأذهان سنوات مضت من القهر والتعذيب. فالشهادات التي نقلها المحامون ومؤسسات الأسرى، وعلى رأسها "نادي الأسير الفلسطيني" و"هيئة الأسرى والمحرّرين"، تعيدنا إلى بداية السبعينات، إلى تلك الأيام العصيبة التي عرفت فيها السجون أساليب وحشية لم تكن قد شهدتها من قبل.
أما الأسيرات من قطاع غزة، فهن قصة أخرى، رهينة مزاجية السجان، الذي اعتقل عددًا كبيرًا منهن على مفارق الطرق. وقد تم توثيق حالات من الأسيرات الفلسطينيات اللواتي تعرضن للاعتقال، واحتجزن في سجون الاحتلال تحت ظروف قاسية. في ظل غياب تفاصيل حول العدد الدقيق للأسيرات من غزة في هذه الفترة.
كما تم قطع كل سبل الاتصال بالعالم الخارجي، من حجب المياه والكهرباء إلى منع التواصل عبر الهاتف العمومي. ومنعهن الاحتلال من استقبال الزيارات أو لقاء محاميهن، ليزداد وضعهن مأساوية، فيما تعرضن لأساليب قاسية من الضرب والتنكيل. ورش الغاز داخل الزنازين أصبح وسيلة لتعذيبهن في أقبية السجون، حيث تتلاشى كل حقوقهن في ظل هذا الظلم الفادح.
ورغم ما تعانيه الأمهات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، تظل قصة كل واحدة منهن شاهدة على صمود لا يلين، إذ يصررن على إنجاب أجيال فلسطينية تحلم بالحرية. فهذه الأمهات، اللاتي أنجبن شهداء ومعتقلين، يواصلن الكفاح والتمسك بالأمل، وهن يحملن في قلوبهن إرثًا من الشجاعة والمقاومة التي لا يمكن للاحتلال أن يطمسها.