واحد وعشرون عامًا قضاها الأسير عبد الرحمن مقداد في سجون الاحتلال الإسرائيلي، محكومًا بالسجن 21 مؤبدًا و15 عامًا، قبل أن يتحرر في صفقة تبادل الأسرى، لكنها بقيت حرية منقوصة؛ إذ لم يجد نفسه بين زوجته وطفله، بل مُبعدًا إلى غزة، بعيدًا عن مسقط رأسه بيت لحم، المكان الذي طالما حلم بالعودة إليه.
بدأت القصة عندما اعتقل الاحتلال مقداد بعد ثلاثة أشهر ونصف فقط من ولادة طفله، فكبر الابن دون أن يحظى بأي ذكريات مع والده، ودون أن يعيش طفولته تحت جناحيه. اليوم، يبلغ الابن 21 عامًا، وهو العمر ذاته الذي أمضاه والده خلف القضبان، محرومًا من احتضانه.
مع انطلاق صفقة التبادل "طوفان الأحرار" بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كانت العائلة تترقب اللحظة التي ستجمعهم مجددًا. أبلغ ضابط مخابرات الاحتلال زوجة الأسير بأنه سيتم إبعاده، لكنها تمسّكت بحقه في العودة إلى بيت لحم، حيث لا موطن له سواها. في الوقت ذاته، أخبر الاحتلال الأسير نفسه بأنه سيُنقل إلى مصر، فخرج من السجن وهو يعتقد أنه سيغادر إليها، لكنه تفاجأ بإبعاده إلى غزة.
لم تتوقف لعبة الأعصاب التي مارسها الاحتلال عند هذا الحد، إذ لم تكن العائلة تعلم إلى أين سيتجه الأسير: هل سيعود إلى بيته في بيت لحم، أم سيتم إبعاده إلى مصر، أم إلى غزة؟ حتى اللحظة الأخيرة، لم تكن هناك إجابة واضحة. وفي النهاية، وجد مقداد نفسه خانيونس جنوبي قطاع غزة.
داخل السجن، فقد عبد الرحمن والدته وثلاثة من إخوته، ولم يتمكن من إلقاء نظرة الوداع عليهم. وخلال معركة "طوفان الأقصى"، فقد شقيقته عندما استهدف الاحتلال منزلها، فاستشهدت هي وجميع أفراد عائلتها في غزة.
ولا تتوقف مأساة الأسير مقداد عند هذا الحد، فسياسة الاحتلال تجاه المبعدين لا تقتصر على حرمانهم من أماكن سكناهم، بل تمتد إلى فرض منع سفر على جميع أفراد عائلاتهم، ما يعني أن زوجته وطفله لن يتمكنا من زيارته أو لقائه مجددًا، حتى وهو خارج السجن.
"كيف تكون الحرية حرية، إن كانت تعني المزيد من التشتت والحرمان؟" تسأل زوجة الأسير، التي لا تزال تحلم بلحظة اكتمال الفرح، بلحظة يلتئم فيها شمل العائلة، حيث يعود زوجها إلى بيت لحم، إلى بيته، إلى ابنه الذي كبر بعيدًا عنه.
زوجة الأسير التي شكرت المقاومة على إطلاق سراحه، لم تفقد الأمل بلم شملها مع زوجها المبعد، وهي واثقة من أن الله سبحانه وتعالى الذي من عليه بالإفراج بعد هذا الوقت الطويل في سجون الاحتلال قادر على أن يجمعهما رغم أنف الاحتلال.