جاءت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة الرسالة للإعلام عبر قناتها في تطبيق تيلجرام لتكشف عن موقف شعبي واضح تجاه فكرة إجراء مباحثات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة حماس، بهدف وقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل الأسرى.
بحسب نتائج الاستطلاع، الذي شارك فيه أكثر من 4 آلاف متابع، أيدت الغالبية العظمى هذه المباحثات، حيث أبدى 83% من المشاركين تأييدهم للفكرة، مقابل 17% فقط عارضوها.
تعكس هذه الأرقام اتجاهًا شعبيًا واضحًا يؤيد فتح قنوات اتصال دولية مباشرة مع حماس، بعيدًا عن السلطة الفلسطينية التي فقدت الكثير من شرعيتها الشعبية بسبب فشلها السياسي وتنسيقها الأمني مع الاحتلال.
تفاصيل المباحثات
في خطوة غير مسبوقة، عُقدت لقاءات مباشرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، في العاصمة القطرية الدوحة، للتفاوض حول إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، بمن فيهم الأمريكي-الإسرائيلي إيدان ألكسندر.
هذه المباحثات تمثل تحولًا في السياسة الأمريكية التقليدية، التي كانت ترفض التفاوض المباشر مع حماس، "حماس، التي تصنفها واشنطن منظمة إرهابية."
وقد وصف بوهلر الاجتماعات بأنها "مفيدة للغاية"، معربًا عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع المقبلة.
من جانبها، أكدت حماس مرونتها واستعدادها للتوصل إلى اتفاق يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أن المحادثات شملت أيضًا مناقشة وقف إطلاق النار طويل الأمد وإعادة إعمار غزة.
هذا التطور يعكس ديناميكية جديدة في المشهد السياسي الفلسطيني، وقد يكون له تداعيات مهمة على مستقبل العلاقات بين الأطراف المعنية.
لماذا أيّد الفلسطينيون مباحثات حماس-واشنطن؟
1. البراغماتية السياسية مقابل الجمود الدبلوماسي
تدرك الغالبية العظمى من الفلسطينيين أن المعادلة السياسية والعسكرية تغيرت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن حماس باتت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات إقليمية أو دولية تخص المقاومة ومستقبل الصراع.
وبينما تواصل السلطة الفلسطينية خطابها التقليدي، وتعتمد على مفاوضات أثبتت فشلها على مدار العقود الماضية، ترى حماس أن الانفتاح على المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، قد يكون خطوة مهمة لكسر الحصار السياسي المفروض عليها، ولتحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
2. فقدان الثقة بالسلطة الفلسطينية
لم يعد سراً أن السلطة الفلسطينية فقدت الكثير من التأييد الشعبي، ليس فقط بسبب ضعف أدائها السياسي، بل أيضاً بسبب تنسيقها الأمني مع الاحتلال، ومحاولاتها المستمرة لإجهاض أي جهد مقاوم في الضفة الغربية.
وفي ظل غياب أي استراتيجية وطنية واضحة لدى السلطة، يبدو أن الفلسطينيين ينظرون إلى حماس كفاعل سياسي حقيقي، قادر على تحقيق إنجازات على المستوى الدولي، كما فعلت في جولات التصعيد السابقة، حيث استطاعت انتزاع مكاسب سياسية ودبلوماسية وعسكرية عبر مفاوضات غير مباشرة بوساطة إقليمية ودولية.
3. نجاح حماس في فرض معادلة جديدة
تصريحات المسؤولين الأمريكيين أنفسهم تكشف أن واشنطن باتت مضطرة للتعامل مع الواقع الجديد، وهو أن حماس ليست مجرد فصيل فلسطيني، بل قوة فاعلة لا يمكن تجاهلها في أي ترتيبات مستقبلية، سواء على صعيد وقف إطلاق النار، أو فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى، التي تشكل ملفاً حساساً بالنسبة للإدارة الأمريكية بسبب الضغوط الداخلية من عائلات الجنود الأسرى لدى المقاومة.
الرئاسة الفلسطينية.. غضب وارتباك معتاد
لم يكن مفاجئًا أن تصدر الرئاسة الفلسطينية موقفًا مرتبكًا وغاضبًا، استنكرت فيه الاتصالات المباشرة بين حماس والولايات المتحدة، مدعية أن حماس تشتت الموقف الفلسطيني وتفتح قنوات اتصال مع جهات أجنبية دون تفويض وطني.
بل وزاد المتحدث باسم الرئاسة من حدة الخطاب، حينما اعتبر أن هذه الاتصالات "تتعارض مع القانون الفلسطيني الذي يجرّم التخابر مع جهات أجنبية"!
وهنا يطرح السؤال نفسه: إذا كانت الرئاسة الفلسطينية تعتبر أي تواصل مع جهات أجنبية جريمة، فكيف تفسر لقاءاتها المتكررة مع المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، ناهيك عن تنسيقها الأمني مع الاحتلال؟
هذا الأمر دفع القيادي في حماس عبد الحكيم حنيني للقول في مقابلة مع الجزيرة مباشر: على السلطة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أولا قبل اتهامنا بالتخابر.
ومن المثير للسخرية أن السلطة اعتبرت اتصالات حماس مع الأمريكيين "التفافًا على الإجماع العربي"، وكأن القمم العربية أنجزت شيئًا حقيقيًا لصالح الفلسطينيين!.
تأييد شعبي ورسالة سياسية واضحة
نتائج الاستطلاع الشعبي تعكس بوضوح أن الفلسطينيين يريدون تغييراً حقيقياً في طريقة إدارة الصراع، وأنهم يؤيدون مقاربة حماس البراغماتية التي تعتمد على فرض وقائع جديدة على الأرض، بدلًا من المراهنة على وعود أمريكية جوفاء، كما تفعل السلطة منذ عقود.
وفي الوقت الذي تواصل فيه السلطة التقوقع في مربع التنسيق الأمني والتبعية السياسية، يبدو أن الفلسطينيين يتجهون بأصواتهم وعقولهم نحو الخيارات الأكثر واقعية وفعالية، تلك التي تعتمد على قوة المقاومة وتأثيرها على المعادلة الإقليمية والدولية.
ويمكن القول إن السلطة الفلسطينية تعيش حالة إنكار للواقع الجديد، بينما تدرك حماس أن العالم بات مضطراً للتعامل معها، سواء شاءت السلطة أم أبت.