أسطورة المقاومة أسطورة المقاومة

غزة تنزف... وضمير العالم في غيبوبة

غزة تنزف... وضمير العالم في غيبوبة
غزة تنزف... وضمير العالم في غيبوبة

الرسالة نت – كارم الغرابلي

في غزة، لا تمر لحظة دون وجع. تحت الركام تباد أسر كاملة، وتُسكت صيحات الأطفال قبل أن تكتمل حروف نطقهم. المستشفيات تُقصف، والمدارس تتحول إلى أكوام من الحجارة، فاالصمت الدولي مريب، بل متواطئ؛ يُذبح الفلسطينيون يوميًا والعالم يلتزم الصمت، وكأن دمهم لا يُقاس بذات الميزان الذي تُقاس به حياة الآخرين..

منذ عام ونصف، تتعرض غزة لعدوان متواصل، خلف وراءه أكثر من خمسين ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى، غالبيتهم من النساء والأطفال. 

كل زاوية في القطاع تروي حكاية فاجعة، وكل شارع بات شاهدًا على مجازر لا يختلف اثنان في وصفها بأنها جرائم حرب مكتملة الأركان.

ورغم هذا النزيف المستمر، لم يتحرك العالم ؛ لجان تحقيق تبقى حبرًا على ورق، وبيانات القلق الأممية لا تسمن ولا تغني من جوع، في وقت يعاني فيه أكثر من مليوني فلسطيني من نقص حاد في الغذاء، والماء، والدواء، في ظل حصار خانق اشتدّ مع العدوان الأخير.

 صمت دولي أم تواطؤ ممنهج؟ 

في المشهد الدولي، لم يكن الصمت وحده القاتل، بل ما بدا كتواطؤ فاضح. الولايات المتحدة تُجدد دعمها لما تسميه "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، متجاهلة مشاهد الجثامين المتناثرة.

 أما الاتحاد الأوروبي، فظلّ عاجزًا عن اتخاذ موقف موحّد، مكتفيًا بإدانات فضفاضة وعبارات "قلق" خجولة.

وفي مجلس الأمن، اجتمعت الدول وناقشت، ثم تفرّقت دون قرارات تُنهي شلال الدم. العرقلة الدبلوماسية كانت أقوى من إنقاذ الأرواح.

 ازدواجية المعايير... الوجه الآخر للكارثة 

الدم الفلسطيني كشف عورات المنظومة الدولية. المقارنة المؤلمة بين سرعة التحرك في أزمات أخرى، كأوكرانيا، والتراخي المريب تجاه غزة، أثارت غضب الشارع العالمي. لم يعد الأمر يُفسَّر كعجز دبلوماسي، بل كسياسة متعمدة، تُصنف البشر حسب الهُوية، وتمنح التعاطف بانتقائية.

الدكتور صلاح عبد العاطي، أستاذ العلوم السياسية والاقتصادية ورئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني، يرى أن "هذا الصمت لم يعد يُحتمل. إنه تورط سياسي وأخلاقي واضح. ما نراه اليوم ليس فقط تجاهلاً، بل شراكة في الجريمة."

 غزة.. مقبرة القانون الدولي 

منظمات حقوقية، من بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، وصفت ما يجري بأنه "يرقى لجرائم حرب"، وطالبت بتحقيقات دولية عاجلة. لكن العدالة تتحرك ببطء، إن تحركت أصلًا.

مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قال بوضوح في تصريح له: "غزة أصبحت مقبرة للقانون الدولي الإنساني"، مؤكدًا أن العدالة لا تزال غائبة، وأن شعوبًا بأكملها تُترك فريسة للموت دون محاسبة تُذكر.

 صوت الشعوب أقوى من حكوماتها 

ورغم الشلل الرسمي، فإن الشعوب لم تصمت. خرجت مظاهرات في لندن، باريس، مدريد، نيويورك، جوهانسبورغ، رافضة المجازر، مطالبة بوقف تصدير الأسلحة، وداعية حكوماتها لإعادة النظر في تحالفاتها.

في العالم العربي، اقتصرت معظم المواقف الرسمية على الإدانات، لكنها لم تُترجم إلى خطوات فاعلة.  وفي المقابل، شهدت شوارع الأردن، المغرب، لبنان، وتونس احتجاجات شعبية واسعة طالبت بقطع العلاقات مع الاحتلال وطرد سفرائه.

 اختبار أخلاقي للعالم 

غزة اليوم لا تبحث فقط عن الغذاء والدواء، بل عن الاعتراف بإنسانيتها. عن عدالة لا تميز بين الضحايا، وعن عالم لا يُغلق عينيه حين يكون القاتل حليفًا.

في ظل هذا المشهد القاتم، تبقى غزة صامدة. جراحها مفتوحة، لكنها لم تتنازل عن حقها في الحياة. وإن كان العالم قد خذلها، فإن التاريخ لن ينسى، والضمير الإنساني – مهما طال سباته – لا بد أن يستيقظ.

`
البث المباشر