بينما كانت طائرات الاحتلال تُغرق غزة في الدماء، وتنتشل جثث الأطفال من تحت الأنقاض، وبينما كانت قلوب الفلسطينيين تنفطر على مشاهد المجازر اليومية، كانت رام الله على موعد مع احتفال من نوع آخر: شريط أحمر، موسيقى صاخبة، رقصات استعراضية، وابتسامات مصطنعة... كل ذلك برعاية محافظة رام الله والبيرة، ليلى غنّام، وبدعم صامت من سلطة لا تعرف من الوطن إلا حدود مصالحها.
في مشهد يُجسد الانفصال الأخلاقي والإنساني الكامل، ظهرت ليلى غنام في افتتاح ما يُقال إنه "أكبر مول في فلسطين"، تمشي على سجاد أحمر، تضحك، وتقصّ شريطاً أحمر بلون الدم، كأنها تحتفل بانتصارٍ وهمي على أنقاض الضمير. يقول الصحفي محمد عثمان ساخرًا: "واضح إننا في عاصمة الشوبينغ الثورية، حيث المقاو.مة صارت بالماركات والخصومات الموسمية!".
ليلى غنام، كما وصفها الكاتب إياد القرا، لم تكن يومًا مجرد اسم، بل كانت نموذجًا فجًّا لعلاقة فاسدة بين السلطة والمال والمصالح، نموذجًا لمسؤولة طردت عمال غزة من رام الله، وباركت التنسيق الأمني، وقمعت كل صوت يهتف لغزة. واليوم؟ تفتتح مولًا اقتصاديًا بينما كان الاحتلال يقصف المستشفى المعمداني! وكأن الدم الفلسطيني في غزة لا يعنيها، ولا يستحق منها حتى لحظة صمت.
أما رامي الكامل، فعبّر بمرارة: "فعلاً اللي اختشوا ماتوا". لم يجد في مشهد الافتتاح سوى دليل إضافي على أن من يديرون بعض مفاصل هذه السلطة يعيشون في كوكبٍ آخر، منفصل تمامًا عن الواقع، عن جراح الوطن، وعن وجع أهله.
الصحفي محمد أبو عائد وضعها في سياقها الحقيقي: "هذه رام الله، وهذه ليلى غنام، إحدى قياديات تنظيم البقرة الصفراء... غزة تذبح ولم تجد من يناصرها حتى باحترام بسيط لدمها!"
أما ياسمينة الشام، فقد صرخت بألم: "في نفس الوقت الذي يُذبح فيه أهل غزة، الجانب الآخر من الوطن يحتفل على وقع الموسيقى والرقصات!"، فيما اعتبرت رنا إبراهيم المشهد: "حفنة من القذارة والنتانة، لا ضمير، لا إنسانية، لا أخلاق."
ولم يكن ياسين عز الدين أقل قسوة حين وصف ليلى غنّام بـ"الطاووس المنفوخ"، وذكّر من هللوا لهذا الافتتاح أن الاحتلال قادر في لحظة أن يحوّل هذا المول إلى ثكنة عسكرية أو أن يحرقه كما فعل في مدن الضفة الأخرى.
بلال يحيى اختصر التناقض: "بالتزامن مع إبادة غزة، الأستاذة ليلى غنام تهز الأرداف في رام الله!"، أما أشرف السراج فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ رأى في هذه الأفعال محاولة لتطبيع موت الغزي، وجعل دمه رخيصًا حتى في نظر أبناء وطنه.
ما حدث في رام الله ليس مجرد افتتاح مول. إنه كارثة أخلاقية، خيانة رمزية، وشق جديد في جدار الوحدة الوطنية. أن تراق دماء غزة بهذا الشكل، ثم يحتفل المسؤولون في نفس اللحظة، فهذا ليس فقط انفصامًا عن الواقع، بل إعلان صريح أن بعض أركان السلطة فقدت بوصلتها تمامًا.
في فلسطين اليوم، هناك من يموت بكرامة، وهناك من يعيش بلاها. وبين من يُدفن تحت الركام، ومن يمشي على السجاد الأحمر، تنكشف حقيقة مرة: الوطن ليس شعارات، بل مواقف. وغزة، كما كانت دومًا، هي المعيار.