صيادو النصيرات ..نيران الاحتلال تطاردهم والميناء يلفظهم

الرسالة نت – محمد بلور

 يتناوب الاحتلال وشحّ الأسماك وميناء البحر في تضييق الخناق على صيادي النصيرات منذ سنوات, الاحتلال مسألته مفهومة يحتاج لمقاومة, وتكاثر الأسماك بيد الخالق, أما الميناء فتحسين أحواله بيد المخلوق !

تحطمت أحلام الصيادين بالموسم السعيد في ديسمبر الماضي عندما ثارت الأمواج وابتلعت قواربهم وشباكهم ومعدات الصيد الراسية في ميناء النصيرات الجديد المقام منذ سنتين قرب جسر الطريق الساحلي.

الخسائر قدرت يومها بآلاف الدولارات, وفوق كل ذلك فقد المتضررون محطة الانتظار الوحيدة-الميناء-التي تجمعهم كل صباح قبل الانطلاق للبحر .ويعاني الصيادون الآن من عدم وجود ميناء بعد تضرر القديم ما دفعهم للبحث عن مكان بديل يضعون فيه قواربهم وشباكهم ووضعت المشكلة بيد كل من وزارة الزراعة ونقابة الصيادين وبلدية النصيرات وسلطة الأراضي والموانئ التي وفّرت مكانا أشعل مشكلة مع ملاك الأراضي المجاورة.

 

"هموم مالحة"

لا تفارق رائحة الملح أصابع الصياد "أبو خالد زريد" وقد تركت الشمس دروبا في وجهه المرهق من قسوة المهنة , يحظى بـ"كاريزما" بحرية كونه رفيق البحر منذ عشرات السنين فهو يفهم قواعده وله كلمة على معظم الصيادين الجدد والقدامى .يعقد أبو خالد كوفية حمراء على رأسه, ويقول: "كان الصيادون يرسون على شاطئ النصيرات بعد سنة 1948 وبعد مجيء السلطة رحلنا لميناء دير البلح وبعد سنوات من المعاناة بسبب بعد المكان تضررنا فبعت أنا قاربي بخسارة 5 آلاف دينار" .

يعمل أبو خالد وولداه في مهنة الصيد ويعيلون 11 فردا وقد تضرروا في ديسمبر الماضي عندما امتدت مياه البحر والتهمت قواربهم وشباكهم ومولد سحب الشباك .وأضاف: " كسّر تسونامي القوارب واخذ الشباك وبعضنا تضرر بـ7 و8 آلاف$ فتوجهنا للزراعة والنقابة والبلدية وكلهم أبدوا استعدادهم للمساعدة".

بدأت سلسلة اجتماعات مكثفة تابعها أبو خالد شاركت فيها الزراعة والنقابة وسلطة الموانئ وسلطة الأراضي والشرطة البحرية لتوفير مكان بديل وعوضوهم ماليا بملغ 100$ لكل صياد ولكبار المتضررين بـ400$ فقط !.

اتفقت كافة الجهات المعنية على توفير مكان بديل وبعد البحث عثروا على نقطة بجوار استراحة الشلال تبعد عن البحر 80 مترا بطول 300 متر لكن نزاعا نشب الآن بين ملاك القطعة المجاورين لميناء الصيادين الجديد والنقابة حيث قام أحد ملاك الأرض باستئجار قطعة أرض تجاور قطعته تقع وسط الميناء الموعود إضافة لعدم وجود مدخل للميناء سوى من أرض الملاك.

عن المكان قال:"عثرنا بعد البحث على هذا المكان وهو جيد بعيد عن الأنظار وواسع وممكن أن نزوده بمعدات وكهرباء ومياه مستقبلا لكن المشكلة الآن عالقة مع أصحاب الأرض المجاورة الذين يرفضون وجودنا هنا" . ويأسف أبو خالد على حاله عندما يعود كل يوم لزوجته فارغ اليدين, ويتابع: "لا يسمح الاحتلال لنا بالإبحار أكثر من ميلين ونصف ويطلقون النار دوما علينا وكثيرا لا نصيد شيئا وفوق ذلك لا يوجد لنا مكان , نريد حلا جذريا" .

قيد التجهيز

تتناثر معدات الصيد فوق الرمال , قوارب-شباك-معدات كهربية-ألواح صفيح, كلها بانتظار اتخاذ مواقعها في الميناء الجديد .الصيادون بدؤوا بتثبيت معداتهم وبناء أكواخهم بنصف أمل , خشية السفر من جديد لمكان مجهول .

أسند الصياد محمد أبو عبده ظهره لحزمة شباك وهو يتبادل الحديث مع زملائه, يعرّف نفسه قائلا: "أعمل في البحر من سنة 1975 ومن يومها ليس لنا مكان مناسب-يشير بأصبعه-القاربان الأصفر والأزرق لي وأعمل عليهما أنا وأولادي الثلاثة فنعيل 11 فردا وقد تضررنا في شهر ديسمبر وخسرنا الشباك والقوارب وجاء الموسم أيضا سيئا جدا والآن لا نجد مكانا للانطلاق" .

ويرى أن الموقع المختار مناسب مطالبا كافة الجهات المعنية بمساعدة الصيادين لكسب رزقهم فأقل قارب يشترك فيه صيادان ويعيل 20 فردا-كما يقول.

بدوره قفز الصياد وائل بدوى من بين زملائه للمشاركة في الحديث فقال:"حياتي البحر أصطاد منذ الطفولة ومشكلتنا الآن أن الميناء تضرر وفقدنا معداتنا في تلك المنطقة الضيقة وغير المناسبة والآن نحتاج لمكان بديل نجده هنا".

وأكد أن الصياد يعاني من جملة مشاكل أهمها الميناء وشح الأسماك وحصار الاحتلال للبحر بينما كان الموسم الحالي سيئا جدا .وتابع:"نريد مرسى مناسب فنحن نعاني وأحيانا لا أستطيع أنا وإخوتي تشغيل المركب لأننا لن نصطاد ما يغطي ثمن البنزين فنستخدم قوارب التجديف اليدوية لعل وعسى نحصل على طبخة اليوم ! " .

مشكلة متجددة

تصل إلى الموقع الجديد بين حين وآخر عربات محملة بشباك ومعدات صيد تحط رحالها قرب الشاطئ بينما يتنادى الصيادون لتثبت مولدات كهربية ثقيلة وسط كتل أسمنتية يجهزونها ميدانيا. أعطى نقيب الصيادين نزار عياش ظهره للبحر وهو يتحدث عن مشكلة الصيادين التي تعززت من سنة 1967 وخاصة على شاطئ النصيرات .

أسند كفيه لخصره وأضاف:"حصلت أضرار في شهر ديسمبر في ميناء  ضيق مجاور لمياه مجاري الوادي فتضرر أكثر من 35 قاربا يعمل عليها 250 صيادا وبعد ذلك جلست النقابة مع الزراعة وسلطة الموانئ والبلدية لدراسة المشكلة وتوصلنا لهذا المكان حيث يبعد 80 مترا عن البحر وعرضه 300 متر" .

وقال إن نقابته والجهات المعنية توجهت لسلطة الأراضي التي أبدت استعدادها للحل دون أن يأخذوا منها موافقة رسمية وختما رسميا .

أشهر عياش نسختين عن محاضر اجتماعات لكافة المعنيين حيث بدؤوا قبل أيام بنقل الصيادين للمكان لكنهم تفاجئوا أن سلطة الأراضي منحت عقد إيجار لمالك قطعة أرض مجاورة للمكان ويدعى مصطفى الزعيم ما فجّر مشكلة جديدة .

ويرى أن المصلحة العامة تقدّم على المصلحة الخاصة وأن الصيادين قطاع متضرر بحاجة لمساعدة مضيفا:"أناشد مسئول سلطة الأراضي حل المشكلة وأناشد رئيس الوزراء هنية بالمساعدة فقد خسرنا مؤخرا 100 ألف$ ولم نستطع تعويض المتضررين بأكثر من 20 ألف $".  

ملاّك الأرض

سرت همهمة بين صفوف الصيادين وهم يتابعون سيارة "اوبل" سوداء توقفت قبالتهم ونزل منها رجل في جولة تفقدية سريعة لجغرافيا المكان قيل أنه صاحب الأرض المجاورة ويدعى المهندس حسن الغصين .

"الرسالة نت " سألت الغصين عن المشكلة فأجاب "أمتلك أرض طابو في القسيمة 5 و7 و10 منها ما هو غرب وشرق الطريق ورثتها عن أجدادي لكني وبعد شهور من محاولة تحديد القطعة مع سلطة الأراضي تفاجأت بتعرضها للتجريف لتجهيز ميناء للصيادين" .

اشتكى الغصين لسلطة الأراضي التي قامت بدورها بمعاينة المكان ولم توافق على تخصيص القطعة للصيادين .وأضاف:"ليس لدى مشكلة فليعيدوا إصلاح ما خربوه وليفعلوا ما يشاءون لكن عليهم أن يعلموا أنه لا يوجد مدخل لهم للميناء الجديد سوى من مكان صعب جديد يأتي من فوق جرف طيني مرتفع وليس من وسط أرضي!" .

المشكلة الأخرى والأهم تقع مع المواطن مصطفى الزعيم مالك قطعة أرض مجاورة وقد حصل قبل أيام على عقد إيجار لقطعة غرب قطعته وينوي إقامة مشروع استثماري عليها وهي تخترق الميناء الموعود.

وحصل الزعيم حسب جاره الغصين على موافقة سلطة الأراضي لاستئجار قطعة أرض حكومية مجاورة لأرضه بينما اطلعت "الرسالة" على خارطة أرض الغصين الموثقة التي توضح ملكيته للأرض وحدودها .

مستقبل الميناء

بدوره أبدى مدير عام الثروة السمكية في وزارة الزراعة عادل عطا الله استغرابه من منح سلطة الأراضي عقد إيجار للمواطن الزعيم بعد سلسلة اجتماعات عقدها مع السلطة وإدارة المواني والنقابة .

وقال: "تحدثت اليوم مع نقيب الصيادين وأكد لي ضرورة إيجاد مدخل خاص للميناء وتوفير مكان بديل عن الميناء القديم الذي شكل خطرا على حياتهم وألحق ضررا كبيرا بالصيادين" . 

أما مدير سلطة الأراضي إبراهيم رضوان فاستهجن ما وصفه بصناعة مشكلة كبيرة في الموضوع مضيفا:" قمنا بمعاينة المكان واقترحنا مكانا بديلا يقع شمال الموقع لكن الصيادين والنقابة أصروا على مكانهم ونحن لا نستطيع وضعهم في مكان هو ملك للآخرين , لا يجوز!" .

وأشار أن سلطته ترفض وجود أي مخالفة قانونية بحق احد قرب الشاطئ بأي حال من الأحوال مستطردا:"أناشدهم أن يستمعوا لصوت العقل والمنطق –يبتسم-يكفي الصيادين ما عانوه من الرياح والزوابع !!" . 

أما رئيس بلدية النصيرات محمد أبو شكيان الذي تقع المشكلة في نطاق بلديته فأبدى دعمه لكل ما يساعد الصيادين دون وجود مخالفة قانونية . وأضاف:"سلطة الأراضي هي المخوّلة بالتصرف في هذه الأرض فتلك أرض حكومية وقد جلست البلدية مع النقابة والزراعة والموانئ وكافة المعنيين ونحن مع الصيادين " .

ودعا نقابة الصيادين بالإسراع في حل المشكلة قبل حلول فصل الصيف الذي تزدحم فيه مشاريع المؤسسات المحلية والاغاثية على الشاطئ . 

وتعد مشكلة ميناء النصيرات إضافة جديدة ومهمة لحزمة مشاكل ومعيقات الصيادين اليومية التي حرمتهم من كسب قوتهم . 

وحسب رؤية المعنيين في القضية فإن موقع الميناء الجديد بحاجة لحلين مرضيين الأول أن تتم تسوية القضية مع ملاّك الأرض لتوفير مدخل مناسب للميناء أو البحث عن مكان آخر يحقق نفس الفائدة.   

البث المباشر