63 عاما لم تمح صورة الوطن

عين الحلوة.. العدسة المكبرة لمعاناة لاجئي الشتات

غزة - الرسالة نت

اثنان وستون عاماً ومخيم عين الحلوة يتربع على شجر الأرز كعاصمة للشتات الفلسطيني، وكل سنة من هذه السنوات سجلاً حافلاً بالمعاناة وألم التشرد والاغتراب، نكبتهم مأساة حقيقية لا تزال نتائجها ومراراتها تتفاعل، بينما لا تنقص مساحات الأمل بالعودة إلى الوطن، فالحلم ما يزال دافئاً نديّاً لا يفارق أفئدتهم، تسمعه على ألسنة صغارهم قبل كبارهم.

أُنشئ مخيم عين الحلوة عام 1948، وهو أكبر مخيمات لبنان, يقع جنوب مدينة صيدا, على بعد 3 كم عن قلب المدينة، بلغ تعداد المخيم عام 2003 قرابة 45337 نسمة, وتبلغ مساحته حوالي 420 دونما، يضم ثمانية مدارس، عدد تلاميذها نحو 6200 تلميذ، يتوزعون بمعدل 40-45 تلميذاً في الصف الواحد، ويضم عيادتين للأونروا، بالإضافة إلى مستشفيين صغيرين للعمليات البسيطة.

ويعيش سكان المخيم دون حماية أو توفر أدنى مستلزمات الحياة والبقاء، البؤس يكسو سطوح منازلهم بالصفيح المهترئ، وتُحشر بيوته بعضها فوق بعض كأنها مكعبات من الركام المتراصة.

وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة؛ إلا أن أحلام سكانه بالعودة يومية يعيشونها في مأكلهم ومشاربهم وأفراحهم وأتراحهم؛ يربطون الوطن عقدة بعقدة؛ وكأن العودة تقرع أجراسها ليلموا ما تبقى من شتاتهم وغربتهم.  

"حامضة ولفّانة"

الحاجة الستينية سلوى عودة، المهجرة من الجليل الأعلى، تعيش في منشية مخيم عين الحلوة منذ 60عاماً، تحمل في قلبها حلماً بأن تعود إلى الوطن يوماً ما، تُعرف بداخل المخيم بزغرودة يطلبها أهله في كل مناسباته "آويها زرعنا رمانة... آويها حامضة ولفّانة... آويها وحلفنا ما ندوقا... آويها حتى نرجع عبلادنا.. آويها فلسطين... بالسلامة".

وتقول بلكنة تجمع بين اللهجة الفلسطينية واللبنانية: أحلم بالعودة إلى الوطن لأتنسم هواءه، لأعيش مرة واحدة داخل بلدي، أحمل اسم مواطنة لي حقوق واجبات، لي حكومة تعنى بشئوني الصحية والخدماتية والتعليمية، مضيفة " إذا ملّكوني كل أراضي الدنيا فلن أقبل بديلاً عن أرضي فلسطين، ولقد ربيت أولادي على هذا الأمر وأعتقد أنهم سيحافظون عليه".

وتؤكد الحاجة عودة أن حياتهم صعبة للغاية ولا ترتقي إلى أيٍّ من درجات الحياة الكريمة، فمياه الشرب تختلط بمياه الصرف الصحي، ومساحة البيوت لا تكفى لممارسة أنشطة الحياة المختلفة، مبينة أنهم لا يريدون خدمات بل يريدون حق العودة فقط.

بنفس حسرة الحاجة سلوى يقول اللاجئ فؤاد عاصي "44 عاماً"، وهو أبٌ لستة أبناء، ويسكن في منطقة السمارية :" أوضاع اللاجئين في المخيم مأساوية للغاية خاصة في ظل القيود اللبنانية التي تمنع الفلسطينيين من العمل في أكثر من 70 مهنة، لذا ليس بوسعي العمل في أي وظيفة داخل المخيم؛ إذ لا وظائف ولا مصالح، كما أنني عاجز عن العمل خارج بقعة المخيم لأني لا أمتلك المؤهلات المطلوبة.

ويؤكد عاصي إنه لا يتمكن من تأمين قوت أولاده واحتياجاتهم اليومية، إضافة إلى أن الحياة داخل المخيم ليست صحية، فالبيوت الملتصقة والمتراصة والأسطح المهترئة التي لا تحميهم من حر الصيف أو برد الشتاء. حسب قوله

"نعيش داخل المخيم بحلم وأمل لا يغادر تفاصيل يومياتنا، فكلما تراكم بؤس المخيم أمامنا نعزي أنفسنا بأننا غداً عائدون إلى الوطن وكل الوطن، نربى أبنائنا ونلقنهم أحلامنا وأمالنا كما يلقنهم المخيم بؤس الغربة واللجوء"، يضيف عاصي.

مهمشون

أما اللاجئ جميل موعد من "عمقا " فيؤكد إن للشعب الفلسطيني حق تاريخي في أرضه ووطنه لا يزول، وأن اللاجئين يرفضون التجنيس ويعتبرونه مقدمة للتوطين.

ويقول: " لقد كان والدي يحدثني عن أرضي، وقد عشت حياتي وأنا أحلم بيوم العودة، ولن أرضى عنه بديلاً".

ورغم وضوح هذه المواقف؛ التي لا يكف اللاجئون عن التعبير عنها في كل مناسبة، فقد مرّت العقود الستة الماضية وهم مهمشون؛ بلا كرامة ولا وطن ولا حياة. حسب تعبيره

"الأسبرين والبنادول"

من جهته يقول مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان محمود حنفي: إن "مخيم عين الحلوة يلتقي مع باقي المخيمات الفلسطينية في المعاناة الإنسانية، فالظروف السكانية والاقتصادية الاجتماعية والسياسية بالغة التعقيد وكفيلة بأن تجعل الحياة داخله مرعبة".

ويضيف الكثافة السكانية مرتفعة جداً، في مساحة ضيقة جداً، وهو ما ينتج عنه مشاكل صحية ونفسية واجتماعية هائلة، فمعدل عدد أفراد الأسرة خمسة أفراد، أما معدل عدد الغرف في المنزل الواحد فهو غرفتين.

ويعد الجانب الصحي الأشد وطأة، والأكثر تأثيراً على اللاجئ فـ" 61% "من الأمراض المنتشرة هي أمراض ضغط الدم والتنفس، ولا تغطى الأونروا كل تكاليف العلاج والفحوص المخبرية، وتفتقر عيادات الأونروا لأدوية الأمراض المستعصية؛ وحتى الأمراض العادية، ويقتصر الأمر على المسكنات والأدوية البسيطة "كالأسبرين" و"البنادول".

وأشار حنفي إلى أن القوانين اللبنانية لا تسمح للفلسطيني بالعمل في المهن الحرة، وهو ما يسد الآفاق أمام طلاب الجامعات، ويشكل عقبة أمام طموح اللاجئين الفلسطينيين، فقد كشفت إحدى الدراسات أن المستوى التعليمي متدني للغاية، حيث أن 6% من أفراد العينة أميون، و4% منهم يلمّون بالقراءة والكتابة، و60% أنهوا صفوف الابتدائي والمتوسط، و13% المستوى الثانوي، و3% جامعيون.

وأضاف أن اليد العاملة الفلسطينية تعتبر منتجة وفعالة، لكن عمل الفلسطيني يتم في لبنان بشكل غير معلن، وقد ظهر من خلال الدراسة ذاتها أن 17% من أفراد العينة لا يعملون أبداً، وأن معظم الأعمال التي يمارسونها هي أعمال حرف يدوية أو أعمال موسمية، إذ تصنف حوالي 1400 عائلة من ضمن حالات العسر.

وبحسب إحدى الدراسات، التي تناولت واقع المعاناة الاقتصادية داخل المخيمات الفلسطينية، فإن فالحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 1948م ؛ لم تتوانَ يوماً عن اتخاذ أشد الإجراءات والقوانين التي تحد من التنقل والإقامة والعمل للفلسطينيين، ومنها القرار رقم 319 عام 1962م الذي صدر عن وزارة الداخلية اللبنانية؛ ويصف اللاجئين الفلسطينيين بأنهم فئة من الأجانب، ويجب عليهم الحصول على إذن عمل قبل مزاولة أية مهنة.

وبالإضافة إلى ذلك قانـون أمـين الجميِّل رقم 2891 عام 1982م الذي منع الفلسطينيين من ممارسة 57 مهنة ووظيفة، وما تلاها من قانون وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الحريري الذي رفع عدد المهن والوظائف المحرَّمة على الفلسطينيين إلى 75 مهنة ووظيفة، ولهذا القوانين تبعات هامة من حيث الحد من طموح وتطلعات اللاجئ في بناء مستقبله.

وتذكر الدراسة أن (20.000) لاجئ فلسطيني غير مسجلين لدى مديرية اللاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الخارجية اللبنانية، وليس لديهم أوراق ثبوتية، مما يؤدي إلى حرمان أطفالهم من كل الحقوق المدنية حتى من الدراسة.

ويبقى الحديث أن معاناة لاجئي عين الحلوة نموذج لمسلسل المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في كافة مخيمات الشتات على اختلاف أماكن تواجدها؛ فالجامع الأساسي والمشترك بينها هو المعاناة والغربة، وإن اختلفت درجاتها ومستوياتها. ولكن حلم العودة لديهم يبقَى المعادل الموضوعي الذي يخفف عنهم هذه المعاناة ومسلسل المآسي المتراكمة.

 

 

 

البث المباشر