د. عبد الستار قاسم
لم يعد أمام شباب فلسطين مجال للانتظار علّ وعسى أن يأتي فرج من هنا أو هناك، ولا فرج إلا بسواعد شباب فلسطين وشباب الأمة العربية والأمة الإسلامية. لقد قتلتنا السواعد الخائنة والمجرمة، وساومت على حقوق شعبنا وكل الشعوب العربية، وألحقت بنا الذل والعار والهزائم المتكرررة. حتى أنها عملت بشكل مستمر على ترويض الشباب من أجل أن يكونوا مطايا خانعين لا رأي لهم ولا دور ولا قيمة، وعملت على إلهائهم بالنزوات وتوافه الأمور لكي يخلو لها الجو فتتآمر وتكذب وتضلل كيفما شاءت.
الاحتلال ظاهر وهو عدو في العلن يحتل الأرض ويشرد الشعب ويبني المغتصبات ويجرد الناس من مصادر القوة ما أمكن، لكن قيادات كثيرة فلسطينية وعربية عملت على مدى سنوات طويلة على قتل أمة بأكملها وليس فقط على التخلي عن فلسطين والاعتراف بإسرائيل. يفرض علينا الاحتلال واجب التحرير، والذي هو واجب مقدس، من أجل استرداد حقوقنا كاملة غير منقوصة وعلى رأسها حق العودة، وتفرض علينا القيادات واجب الثورة عليها لكي نتخلص من عقبة كبيرة حالت بيننا وبين مواجهة الاحتلال. قيادات عربية وفلسطينية كثيرة نذرت نفسها للدفاع عن الكيان الصهيوني، وعملت عبر السنين على تضليل الشعب تحت أوهام الحلول السلمية والمفاوضات والمقاومة الشعبية الهزيلة.
يثور شباب العرب الآن ضد حكامهم الطغاة الذين أنهكوا الأمة وأهلكوها وبددوا ثرواتها وطوعوها لأهداف إسرائيل والولايات المتحدة، ومن واجب شباب فلسطين أن يثوروا في وجه الاحتلال متجاوزين كل هذه القيادات الفصائلية الفاشلة التي تجر الشعب الفلسطيني من فشل إلى فشل، ومن هزيمة إلى هزيمة، ومن أوهام إلى أوهام. لقد سقط لنا آلاف الشهداء من أجل فلسطين، ولا تجد قيادات الفصائل إلا التغني بالدماء الطاهرة من أجل أن تبرر اعترافها بالعدو والإصرار على تبعية الشعب للقمة خبز يتحكم بها الأعداء. وقد حولت هذه القيادات قضية فلسطين إلى قضية رواتب عناصرها الذين يرون في خيانة الوطن متعة في العيش.
مطلوب من شباب فلسطين داخل فلسطين وخارجها، في المدن والقرى والمخيمات، في الضفة والقطاع والمحتل/48 ولبنان وسوريا والأردن ومختلف بقاع الأرض:
-1 أن يعيدوا للقضية الفلسطينية مكانتها الحقيقية في عقول الناس وقلوبهم وعواطفهم وحواسهم ووعيهم لتكون دائما على رأس أولويات الأمة العربية والإسلامية؛
-2 الإصرار على التحرير، تحرير فلسطين، كواجب وطني وديني وقومي وتاريخي وإنساني. لقد غابت فكرة التحرير إلى حد كبير حتى بات فلسطينيون يظنون أن فلسطين عبارة عن الضفة والقطاع، وغاب الوطن لدى بعضهم حتى بات يظن أن الشهداء قد سقطوا من أجل أن يحصل على راتب من الدول المانحة؛
-3 التركيز على حقّيْن فلسطينيين في أية مداولات قد تحصل على مستوى عالمي أو عربي وهما حق العودة وحق تقرير المصير، واعتبار أن كل مبادرة لا تتضمن هذين الحقين بوضوح وصراحة غير قابلة للنقاش؛
-4 يجب رفع شعار فلسطين لنا بوضوح وفي وضح النهار. لقد بات بعضنا يخجل من رفع هذا الشعار حتى لا يُتهم بالتطرف والعبثية وعدم العقلانية، وهذا خجل أفرزته الفصائل الفلسطينية التي أغرقت نفسها والشعب بما يسمى بالدبلوماسية، والأنظمة العربية الساقطة. هذه البلاد بلادنا، وهي جزء لا ينجزأ من هذه الأرض العربية الواسعة الممتدة من المحيط إلى الخليج؛
-5 إدارة الظهر للفصائل الفلسطينية التي تاجرت بالشعارات الوطنية، ومكنت الصهاينة في النهاية من رقابنا. لقد باتت الفصائل عبئا على شعب الفلسطين، وحجر عثرة في طريق التحرير. لندع الفصائل تقتل وتنصب المثالب المتبادلة وتتعاون مع أروقة دولية، ولننتبه نحن إلى واجبنا نحو التحرير، واستعادة حقوقنا الوطنية الثابتة. وهي فصائل ستتقلص حتى الاندثار إذا ألقيناها خلف ظهورنا؛
-6 كتابة ميثاق فلسطيني يؤكد على واجب التحرير وعلى الحقوق الفلسطينية، وعلى عروبة القضية الفلسطينية وإسلاميتها، وعلى مختلف أساليب ووسائل النشاطات الإعلامية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والتعليمية والأمنية والعسكرية التي توصلنا في النهاية إلى أهدافنا.
أليس من العار أن نسمع شابا فلسطينيا يرفض حق العودة لأن اليهود لا مكان آخر لهم غير فلسطين؟ وأليس من العار أن نسمع فتاة فلسطينية تقول إن الاعتراف بإسرائيل واجب وطني يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية؟ أليس من العار أن يدافع فلسطيني عن خيانة التنسيق الأمني مع الصهاينة من أجل الحصول على أموال الدول المانحة؟ كثير من العار يمارس على الساحة الفلسطينية الآن، وكثير من الخزي التاريخي صنعته لنا قيادات تمت صناعتها من الخارج أو بغير إرادتنا الفلسطينية الحرة.
شباب تونسيون ومصريون ويمنيون وليبيون وسوريون ولبنانيون يرفعون لواء فلسطين، وهناك من شباب فلسطين من يريد أن يرفع راية التفاوض مع الصهاينة والتنسيق معهم. هذا عار يجب ألا يتحمله أهل فلسطين، ويجب ألا يسكتوا عنه. لقد خذلت الفصائل الفلسطينية شباب فلسطين، والآن جاء دور هؤلاء الشباب لينفضوا عن أنفسهم ما تراكم على وعيهم عبر السنين من أوهام، ليثبتوا لأنفسهم ولشعبهم وأمتهم ولكل العالم أن حقوق شعب فلسطين لن تضيع في الصالونات وأروقة الفنادق، أو في مواخير القيادات المالية والشهوانية.