التستر بالعلاج بالقرآن طريق السحرة لإيذاء الناس
معالج بالقرآن : من السهل التفريق بين المشعوذ والمعالج
المباحث : نفذنا حملة ضد السحرة قبل الحرب وأغلبهم نساء
غزة- محمد أبو قمر
همت فتاة بمسح عرقها فإذا بلون الحبر يغلب على المنديل الذي بيدها ، حينها اعتقدت أنها لمست قلما فائضا ، لكن عندما سال الحبر من أنفها تيقنت أن شيئا ما حدث لها ، في الوقت الذي تكاثرت الحبوب في وجه شقيقتها بأشكال غريبة .دارت الشقيقتان على عدد من الأطباء الذين وقفوا حائرين أمام ما تتعرضان له ، قبل أن اهتدتا للذهاب لأحد المعالجين بالقرآن الذي كشف النقاب عن تعرضهما للسحر .
"الرسالة " عادت لفتح ملف السحر والشعوذة المخيف ، واطلعت على الأساليب المتبعة بالسحر وكيفية علاجها ، وذلك بالتزامن مع الحديث عن انتشار واسع للسحرة والمشعوذين المتسترين تحت مسمى "معالج بالقرآن " ، في ظل ملاحقة أمنية متقطعة .
** الدخول للإنسان
ويعد القرآن السبيل الوحيد لمعالجة المصابين بالمس أو الحسد أو السحر ، وما دون ذلك فهو درب من السحر والشعوذة يستعين به الساحر بالجن لتمرير أهدافه .ويدخل الجن إلى جسم الإنسان في حالات الغضب الشديد ، أو الخوف الشديد ، وإما يسلط من قبل ساحر ، أو في حال إيذاء الإنسان له بطريق غير مقصود كسكب الماء على الجن .
ويقول المعالج بالقرآن الدكتور محمد أبو شعبان أستاذ أصول الدين في الجامعة الإسلامية أنه عندما يفرح الإنسان أو يغضب تتفتح مسام الجلد لديه ويخترق الجن جسده لاسيما أن الجن لا يدخل بصفته الأصلية وعنده قدرة على التشكل وفي هذه الحالة يأخذ شكل الهواء .
وعن التسليط يقول أبو شعبان " الساحر يعمل سحرا لشخص ما حيث يسخر الجن لخدمة ذلك السحر ويرسله على الشخص ، ويبقى حوله حتى يتمكن من الدخول" ، مشددا على أن تسخير الجن لا يكون إلا إذا دخل الساحر في دائرة الكفر كي يتمكن من التعامل مع الشيطان ، ويكون لديه طرق لاستجلاب الجن واستدعائهم .
وبحسب أبو شعبان فإذا دخل الجن في الانس فيكون هدفه إما إيذاء الشخص أو التمتع به كدخول جن ذكر جسم انسانة أنثى ، وإذا سلطه الساحر فيكون مخصصا لتحقيق هدف ما إما تدمير الإنسان أو منع فتاة من الزواج ، أو منع الحمل لدى النساء ، أو لتفريق الزوجين ، وإمراض الشخص ، وغيرها .
وتكثر حالات السحر لمنع الحمل ، أو اسقاطه في حال حدوثه وهو ما يسمى " قرينة " وغالبا ما تكون بسحر وتمنع وصول السائل المنوي إلى البويضة في وقت التبويض .وذكر أبو شعبان أن السحر يتم بثلاث وسائل إما أن يضع في شراب الإنسان ، أو يكون مرشوشا على الأرض ، أو معقودا ويضع داخل حجاب وأحيانا ينسج بدماء وخيوط وطلاسم.
** أعراض السحر
وبينما كان المعالج بالقرآن يقرأ آيات على فتاة في عيادته فإذا بهزة قوية تصيب جسدها وترتعش أرجلها ، وينطق الجن على لسانها ويقول " بدي أدمرها ، أقتلها " .
وفي حادثة أخرى واظبت سيدة لمعالجة طفلها في الثانية عشر من عمره من مرض السكري ، حيث كانت نسبة السكر غير ثابتة بين فحص وآخر .وفي رمضان الماضي تناول الطفل حلويات أدت لارتفاع نسبة السكر في دمه، ومع تعنيف أمه له أصيب برجفة وسخونة قبل أن يخلد للنوم .
وفي الصباح بدأت الأم قراءة القرآن على طفلها فإذا به يصرخ ويغمى عليه ، حتى سارعت به إلى الشيخ ، هناك نطق الجن وتواصل علاجه حتى فاق الطفل ، واكتشف ذووه فيما بعد انخفاض نسبة السكر . من الجدير بالذكر أن الطفل باستطاعته حفظ جزءا من كتاب الله في اليوم الواحد.
ويرفض المصابون بالسحر أو المس الخوض في تفاصيل ما حدث معهم ، ويحافظون على سرية ما يدور.وتختلف أعراض الجن من حالة لأخرى فهناك بعض العلامات خاصة بالمس ، وأخرى بالسحر ، وغيرها للحسد ،وفي بعض الأحيان تكون مشتركة.
وتتمثل أعراض المس بشعور الإنسان بسخونة مفرطة بالجسد ، وإذا تركز الجن بالرأس يتسبب في صداع قوي ، ويعمل على قلة التركيز وضيق في النفس ، ويسيطر على الشخص أثناء النوم بأحلام مزعجة .
أما أعراض السحر فتكون حسب طبيعته ، ففي حال كان الهدف منه تفريق الزوجين يشعران بكراهية فجائية تغلب على الحياة الزوجية تحت أي ظرف ، ربما تصل لحد الطلاق ، وتمتد أعراضه لتصل لسخونة في الجسم أو برودة ، وضيق في النفس ، ويشعر بثقل على الصدر ،وخذلان ، ويتثاءب كثيرا ، ويرى ثعابين وقطط تهاجمه في منامه ، مما يشكل علامة بأن الشخص مصاب بالسحر والمس في آن واحد .
وتكمن علامات الحسد في شعور الشخص بأنه مربوط وشارد الذهن ويتثاءب كثيرا ، فيماتجمع السحر والحسد والمس أعراض مشتركة منها الخمول والكسل وعدم المقدرة على العمل والتعب والإرهاق .
ويفرق الدكتور أبو شعبان بين المس والسحر بالقول " في حال قرأ القرآن أمام المصاب بالمس فتصيبه رعشة خفيفة ، ويشعر ببرودة أو سخونة وينتفض جسده ، لكنه يؤدي الصلاة ، أما المس فيبعد الشخص عن الصلاة خاصة إذا كان الجن كافرا ويدفع الشخص للصراخ عند تعرضه للقرآن " .
وأوضح أن السحر يجري من خلال عمل ساحر دون إرسال جني لجسم الإنسان ، وذلك عن طريق تعاويذ وربما يسخر الجن ليكون حارسا للسحر خارج الجسم .ونفى المعالج بالقرآن أن يكون هناك جن مسلم يخترق جسد الإنسان كما يقول المشعوذون ، وأضاف " لو كان مسلما لن يجرؤ على إيذاء الإنسان " .
** العلاج بالقرآن
وتتزاحم الشكاوى والهموم على المعالجين بالقرآن مما أصاب المرضى نتيجة تسليط الجن عليهم ، ويروي أحد المعالجين بالقرآن فضل عدم ذكر اسمه لإبعاد الحرج عن المريضة تفاصيل حادثة غريبة "للرسالة" ، حيث أن امرأة أرادت إيذاء فتاة قريبة منها ، وذهبت لإحدى الساحرات وطلبت منها سحرا يؤدي لعزوف الشبان عنها ومنع زواجها .
لكن على ما يبدو أن الساحرة تجاوزت معايير ذلك السحر فأدى لفقدان الفتاة لبصرها.
دارت الفتاة على الأطباء دون أي نتيجة ، واشتم ذويها رائحة تعرض ابنتهم لسحر من امرأة مقربة منهم ، وبدؤوا بالتنقيب بسبل الوصول إلى الساحرة لإبطال عمله ، وعندما فك السحر عاد بصر الفتاة إليها .
وتبدأ طرق علاج السحر من خلال تشخيص الحالة بسؤال المصاب ما يزيد عن ثلاثين سؤالا ، وبناء على الإجابة يتم تحديد طبيعة ما تعرض له كما يقول الدكتور أبو شعبان .
وتنصب الأسئلة حول شكوى الشخص ، والحدث الفاصل بحياته الذي سبق تلك الشكاوى مثلا أن يكون قد نام غضبانا فيسلط الجن عليه في النوم .
ويباشر المعالج بعد تلك المرحلة بقراءة القرآن على الشخص المصاب وينتظر ظهور العلامات على جسده مثل رعشة أو صراخ ، أو مبادرته لإبعاد مصدر القرآن عنه ، أو رمش عينيه ، أو هزة برأسه ، ونفخة في الصدر ، حينها يبدأ بطلب المغادرة من الجسد في حال نطق الجن .
وبحسب أبو شعبان فان الجن يخرج أحيانا في أول جلسة علاجية ويرفض في أحيان أخرى ، وفي حال رفضه فيتبع مع المصاب برنامجا يشمل قراءة القرآن وشرب ماء مقروء عليه ، ومسح الجسد بحبة البركة قبل النوم ، وتدهين مداخل الشيطان في الجسم بالمسك حيث يعمل على إقفال تلك المواضع عن النوم لعدم إيذاء الشخص أكثر .
وذكر تلك المواضع وهي أصابع اليدين والقدمين ، والحاجبين ، والأذنين ، والسرة ، والقبل ، والدبر ، والأنف ، والفم ، وحلمات الثدي ،
وفي حال استقر الجن في معدة الإنسان فيسقى بماء بعد ثبوت أن الجن دخل عن طريق السقية حيث تكون من أعراضه السخونة والحزاز وألم وقلة الشهية .
ويشير أبو شعبان إلى أن دخول الشيطان عبر الخوف الشديد أو الزعل الشديد هي الأكثر شيوعا ، لاسيما أن الجو النفسي والخوف عقب الحرب كانت إحدى طرق الشيطان للدخول إلى الإنسان ، ورأى أن الدخول للإنسان بفعل فاعل قليلا ما تحدث .
** سحر وشعوذة
وكما يقال فان الغريق يتعلق بقشة ، حيث يصعب على المصابين بالسحر أو المس التفريق بين المشعوذ والمعالج بالقرآن ، وينساقوا خلف "سمعة" هذا وذاك حتى وان كان دجالا .
لكن المعالجين بالقرآن يعتقدون أنه من السهل التفريق بين المشعوذ ومن يعالج بالقرآن ، ويقول أبو شعبان " إذا ذهب المريض لرجل وشخص حالته دون سؤال ، أو بادر بسؤاله عن اسمه واسم أمه فيكون مشعوذا " ، موضحا إذا شخص ذلك الرجل الحالة بالنظر فيكون ساحرا ، كما أنه لا يعالج بالقرآن وإنما بتمتمات ويطلب أشياء غريبة .
ويقوم المشعوذون بأفعال غريبة حيث يزورون المقابر وينبشونها بحثا عن السحر بمساعدة الجن .وكشفت مصادر خاصة "بالرسالة" أن المشعوذين يستغلون حاجة المرضى لتلبية شهوتهم ، وفي بعض الأحيان تتعرض المصابات للاغتصاب بعد فقدهن وعيهن ، وتحرش المشعوذين بآخرين جنسيا .
ويتخذ السحرة من أعمالهم مصدرا لدر الأموال ، ولذلك دأب أحد من حاول الخوض في ذلك المجال تمكنت "الرسالة" من الوصول إليه ، على قراءة بعض الكتب التي تتحدث عن كيفية تسخير الجن في غرفة مظلمة بأوقات متأخرة من الليل .
وطلب ذلك الشخص من أسرته ذات مرة الخروج من المنزل لبيت جدهم كي يتسنى له التفرغ خلال الليل لتسخير الجن إلا أن محاولاته باءت بالفشل .
ومع إصرار ذلك الشخص على التعامل مع الجن وامتهان الشعوذة لأنها كما يقول " تغنيه في وقت قصير وتربحه الأموال " ، عمد على قراءة تلك الكتب داخل الحمام ، ومع ذلك لم يتمكن من تسخيره .
وكشف مصدر خاص من المباحث العامة "للرسالة" أنهم شنوا حملة ضد المشعوذين قبل الحرب على غزة ، واعتقلوا عددا من النساء والرجال الذين يعملون في ذلك المجال .وبحسب المصدر فان أكثر المعتقلين كانوا من النسوة ، ووضعن في سجن غزة المركزي.
ومع انطلاق شرارة الحرب تم الإفراج عنهن نتيجة الظروف التي عاشها القطاع .
ويقترح الدكتور أبو شعبان لتجاوز تلك الظاهرة بأن يبدأ الأمر بتوعية الناس ومتابعة وضع المعالجين وطبيعة تعاملهم مع المرضى ، ومن ثم يعرض الأمر على أهل الفتوى والاختصاص والذين بدورهم يحددون هل ذلك معالج أو مشعوذ ، وفي حال ثبت أنه ساحر يتم منعه ويحظر عليه استقبال حالات مرضية .
ويقول " المشعوذون ينبشون في القبور ويبحثون عن السحر حيث يدلهم الشيطان على ذلك " ، مؤكدا أنه ليس بالضرورة التوصل لمكان السحر وإخراجه وإنما يعالج بالقرآن ويبطل مفعوله ، ويصبح السحر لا قيمة له .
ولفت إلى أنه في حال نطق الجن وكشف عن مكان السحر فلا يكون صادقا في كل مرة ، مشددا على أن الشيطان كاذب ويحاول في كثير من الأحيان الإيقاع بين الناس في حال تكلم على لسان من فيه ، وذلك بالحديث عن أسماء غير صحيحة افتعلت السحر .
** الطب النفسي
وينظر الأطباء النفسيون إلى ذلك الملف الشائك بشكل مختلف حيث يقول الدكتور محمد الزير من برنامج غزة للصحة النفسية أن بعض الحالات التي وصلتهم تعرضت لإيذاء جسدي بأساليب مختلفة .
ويرى أن العلاج النفسي لأولئك الأشخاص يجري بناء على تشخيصات للأمراض النفسية كما في الأمراض الجسمية ، وتابع " ينظر المرضى إلى المعالجين التقليديين بنظرة مقنعة ليبرر ما أصابه من مرض أمام المجتمع، فيتحجج الشخص بأن الناس حسدوه أو سحروه ، وذلك مقبول اجتماعيا بخلاف أن يقول أنه ذهب لطبيب نفسي ، وذلك غير مقبول مجتمعيا " .
ويضيف الزير: " نؤمن بالجن لكني لا أؤمن بالتلبس ، وخلال البحث في المراجع الدينية وجدنا أن الاحاديث ضعيفة ولا يوجد دليل واضح على التلبس " كما يقول .
ويضع الزير ما يتعرض له المواطنون في خانة المعاناة النفسية ، وضرب مثالا " جاءتنا سيدة كل يوم تتعرض للضرب من زوجها وفي ذات مرة فقدت الوعي ، وبعدها قالوا أن جنا تلبسها".
وبحسب الزير فانه بعد ذلك اختلفت معاملة زوجها لها ، وبالتالي فستبقى مصرة على أن ما بداخلها جن ، لكي تحافظ على تلك المعاملة ، لاسيما أن الإنسان يبحث عن حماية .
ويشير الزير إلى أن البعض استغل قضية الجن ، لمعالجة أمراض موجودة ، معتقدا أن المعالجين الذين وصفهم بالتقليديين لديهم قدرة على الإيحاء للمريض بأنه يسير في طريق العلاج الصحيح ويخرجه من حالته النفسية التي يعاني منها .
ولفت الزير إلى أنه في ذات مرة وصل إليهم حالة لا تسير على الأقدام وتمكنوا من معالجته نفسيا وبإيحاءات طبية ، وتساءل " هل يمكن أن نقول أننا أخرجنا الجن من جسده ؟".
ويرى الطبيب النفسي أن المعالجين لديهم إيحاءات قوية يستخدمونها تنجح في شفاء المريض ، ويقولون أنهم طلعوا الجن .
وعن تحدث الجن على لسان الشخص المصاب قال " لو تعرض الشخص لعملية تنويم فيتحدث بكل ما لديه ، فهل الجن من يتحدث ؟ " .
وأمام اختلاط الأمور بين المعالجين بالقرآن ، والسحرة والمشعوذين ، والأطباء النفسيين ، يبقى الملف شائكا يحتاج لتقييم علماء الدين ومعالجة من وزارة الداخلية .