قائد الطوفان قائد الطوفان

رغم كيد الاحتلال

في رمضان.. نور القدس يضيء الأزقة والأسواق

القدس المحتلة - لمراسلتنا

بمقدساتها وأروقتها وحجارتها العتيقة تخرج رغم الجراح متوجة بمظاهر استقبال الشهر الفضيل، فينبهر المار من تاريخٍ المدينة المقدسة وعبقها الذي ينشر الأمل والألم معاً، وبأنوارها تضيء فرحة غيبت قسراً عن غبار الزمن المنسيّ.

وعند حلول رمضان فإن أول ما يتبادر إلى الذهن نور القدس وشوارعها المتلاصقة المرصوفة، ثم تقفز إلى المخيلة صورة المآذن والقباب السليبة متعانقة مع الكنائس الحزينة، بينما لا يمكن أن تغيب صور الأسواق المتراصة وأصوات الباعة المتشابكة فيها.

الأسواق.. خطر الاندثار

ولعل أبرز ما يميز قِدم المدينة أسواقُها التاريخية، فمن باب العامود إلى خان الزيت وسوق العطارين استطاع المقدسيون استقبال الشهر الفضيل كما اعتادوا.المحال التجارية والباعة المتجولون زينوا أجواءه وأعادوا إلى أذهان الكثيرين رونقها المعهود وشكلوا لوحة فنية رائعة باختلاف البضائع والأطعمة والأشربة التي ينشرونها أمام محلاتهم.

ورغم ما تتعرض له المدينة من حملة تهويد ممنهجة إلا أن تجارها يُصرّون على البقاء في بلدتها القديمة كما اعتادوا منذ عقود طويلة، بل يتحدون المحتل بإجراءاته ويعِدون المقدسيين بالثبات في محالهم رغم كل شيء ليعيدوا للمدينة ضوءها الآخذ بالتلاشي.

ويقول التاجر السبعيني عبد العزيز سلهب لـ"الرسالة": "المدينة عريقة ولها رونق خاص في رمضان لا يمكن أن يتشابه مع أي أجواء في أي مدينة أخرى، هذه القدس التي تربينا بين أزقتها لا يمكن أن نتخلى عنها أو نتركها مهما كانت الظروف، فيها أولى القبلتين وهي منارة المدن وستبقى كذلك حتى آخر الحياة".

أسواق القدس كانت ضمن قاموس الحقد الأعمى، فعمل المحتل على خفت أنوارها بكل ما أوتي من قوة، تارة يمرر غربانه بين جموع المارة مستفزين كل مشاعر أصحاب الأرض، وتارة يدفع بجنوده إلى المحال التجارية مطالبين بضرائب أو متذرعين بعدم الترخيص، فقد فرض عليهم تسع ضرائب مختلفة في محاولة لإجبارهم على ترك محلاتهم، ومرة ثالثة يزج المرشدين السياحيين الصهاينة كي يحرفوا تاريخاً عريقاً، فيجذبون السياح إلى الحي اليهودي، ويتجاهلون الأماكن الأخرى بهدف تهميشها.

ويضيف التاجر يحيى قوس لـ"الرسالة نت ":" الوضع الاقتصادي في القدس صعب للغاية، اليهود يتحكمون في أكلنا وشربنا وحياتنا كلها، وهذا الأمر أصبح لا يطاق، فقد تعرض محلي للإغلاق عدة مرات بحجة أني لم أدفع الضرائب المفروضة، رغم أنني أواظب على دفعها وهي باهظة، هم لا يريدون لنا أن نحيا في المدينة بل أن نتركها ونرحل".

ويؤكد التاجر أبو عماد صاحب محل لبيع الأقمشة لـ"الرسالة" أن الاحتلال يعْمد إلى إغلاق الشوارع التجارية العربية من أجل جذب السياح إلى الأماكن اليهودية غرب القدس، كما يحاول تحريف التاريخ من خلال إعطاء السياح معلومات كاذبة عن المدينة والعصور التي مرت عليها".

أما الحصار الذي يحكمه المحتل الغادر حول المدينة فحكاية أخرى من فصول الهم لدى تجار القدس الذين تحاول دولة الحقد أن تمحوَهم عن وجه أزقتها، ويبرز ذلك جليا من خلال الجدار العنصري المتلوي كالأفعى خارج أسوارها، حيث منع أهالي الضفة المحتلة وضواحي القدس من الدخول إلى المدينة، ناهيك عن منع أهالي قطاع غزة من ذلك، مما أثر على حركة السوق المقدسية والتي كان الفلسطينيون عمادها.

ويتابع التاجر سلهب: "الجدار العنصري أثر على حركة التجارة بالقدس بما يقارب 50% سلباً، حيث أن أهالي الضفة وضواحي المدينة كانوا يزورونها كل أسبوع تقريبا وينعشون الأسواق بشرائهم الحاجيات والهدايا والأغراض الجميلة التي ليس لها مثيل في أي مدينة أخرى".

حصار الأقصى

وإلى أقدس المقدسات ووجهة الفلسطينيين المكبّل بترانيمَ عنصرية، الوجه الأبرز للمدينة القديمة والمسجد السليب منذ عقود، في باحاته وبين مصلياته وقبابه اعتاد الفلسطينيون أن يمضوا رمضان متشابكين مع حجارته وملامسين لطهر جنباته.

ولكن حتى هذه النعمة سرقها الاحتلال من أهالي الضفة وقطاع غزة بل والشبان من القدس والداخل المحتل، حتى باتت الحواجز والصلاة في الشوارع سمةً تميز القدس في رمضان، وبات الفلسطينيون ممنوعون من أبسط حق لهم وهو حرية العبادة، فرحلة الوصول إلى الأقصى أضحت شاقة ومتعبة بل مستحيلة في بعض الأحيان.

وتقول الحاجة الستينية أم مجاهد من مدينة نابلس لـ"الرسالة": "خرجت يوم الجمعة الأولى من رمضان فجرا من نابلس كي أصلي في المسجد الأقصى؛ لكن الجنود أوقفوني على حاجز قلنديا، وبقيت هناك قرابة الثلاث ساعات ثم ابلغني الجنود أنني يجب أن أمشي مسافة كيلومترين كي أتمكن من عبور الحاجز، ورغم أنني مريضة ولا أقوى على المشي تمكنت بفضل الله من الوصول إلى الطرف الآخر من الحاجز، لكن الجنود حينها أخذوا هويتي وزعموا أنني ممنوعة من الدخول، وبقيت حتى بعد الظهر على الحاجز مع العديد من المواطنين ومنعنا من الدخول تحت حجج واهية".

أما الشابة هبة من مدينة رام الله فكانت تحاول الوصول إلى القدس عبر حاجز قلنديا؛ لكن الجنود منعوها من ذلك رغم أن الطريق إلى الأقصى لا تستغرق من رام الله أكثر من عشر دقائق، واحتجزوا هويتها لعدة ساعات على الحاجز ثم أعادوها وامروها بالرجوع إلى منزلها.

وهي رحلة عذاب يعيشها الفلسطينيون والمقدسيون معا عند محاولة الدخول إلى المسجد الأقصى، فحواجز الاحتلال المنتشرة على أبوابه تمنع الشبان وحتى كبار السن والنساء من دخوله حسب مزاجية الجنود، ومنهم من جرى إبعاده عنه لعدة أشهر أو خلال شهر رمضان المبارك في محاولة لطمسه.

ويقول الشاب أحمد الجعبري لـ"الرسالة نت" إن جنود الاحتلال حاولوا منعه من الدخول إلى المسجد أكثر من مرة، وإنه اضطر مع رفقائه للصلاة في الشوارع المحيطة به بسبب منعهم من دخولهم، في حين يشرع جنود الاحتلال بإخلائهم بالقوة حين يعتفكون في المسجد طلبا للأجر والثواب.

طمس الماضي وتشويه الحاضر هواية صهيونية بامتياز تقيد كل ما هو فلسطيني في القدس؛ لكن الثبات فطرة مقدسية تربت عليها نفوس الفلسطينيين هناك.

البث المباشر