غزة - لميس الهمص
"للعمل بها طعم مختلف".. هكذا يصف رضوان العويني طبيعة العمل في التكية الفلسطينية التي افتتحت مؤخرا في قطاع غزة، فقد بدا متحمسا للطبخ في جو ملتهب دلت عليه قطرات العرق التي تساقطت من جبينه لكنه لم يشعر بأي تعب وهو يتطوع ليطبخ للفقراء، على حد تعبيره.
بسعادة غامرة يأتي الطباخ رضوان من البريج -وسط القطاع- إلى مدينة غزة من أجل أن يعمل متطوعا في إعداد الطعام لحوالي 150 عائلة غزية، ويقول "للرسالة": "لم أتردد في التطوع للطبخ للعائلات الفقيرة ليقيني أن ذلك العمل سيجلب لي البركة، فرغم أنني أعمل طباخا منذ سنوات فإنني لم أشعر براحة كبيرة إلا وأنا أعمل في هذه التكية التي توزع الطعام على المحتاجين.. أطفالا ونساء وأيتاما وشيوخا كبارا".
افتتاح التكية -يتمنى القائمون عليها توسيع عملها لتشمل العديد من المحافظات- أفرحت قلوب آلاف من الجوعى والفقراء، حيث أنشئت بإمكانات بسيطة في "حاصليْن" بمدينة غزة.
وتعتبر كلمة التكيّة غامضة الأصل، وفيها اجتهادات، فبعضهم يرجعها إلى الفعل العربي (وتأ) و(اتكأ) بمعنى استند أو اعتمد، ومن هنا تكون التكية بمعنى مكان الراحة والاعتكاف.
وعرف العالم الإسلامي نوعين من التكية: الزاوية الصوفية التي تقدم المبيت والطعام للمتصوفة بالإضافة إلى اشتمالها على قاعة لحلقات الذكر والشعائر الأخرى، والتكية "العمارة" التي تقدم وجبات الطعام المجانية للمحتاجين في المدينة.
والسلطان سليم الأول أمر خلال وجوده في دمشق عام 923هـ/1516م بإنشاء أول تكية "عمارة" من هذا النوع في دمشق، وتتألف من قاعتين واحدة للرجال وأخرى للنساء، ومطبخ وفرن ومخزن للمؤن، وتقدم فيها 200 وجبة مرتين في اليوم (للغداء والعشاء).
وفي مشهد أعاد للأذهان فترة الحكم العثماني -قبل أكثر من 300 عام مضت- اصطف فقراء ومساكين من القطاع الساحلي المحاصر أمام ’التكية الفلسطينية’ وحصلوا على وجبات طعام سدت جوعهم.
يقول المدير التنفيذي لمؤسسة "تعاون بلا حدود" القائمة على المشروع الدكتور عادل رزق: "الفكرة ولدت من الحاجات الماسة والفقر الذي يعانيه مواطنو القطاع وما يتعرضون له من حصار وتضيق اقتصادي وتقليص "الأونروا" لمساعدتها المقدمة للاجئين"، لافتا إلى أنهم يسعون لتوفير الأمن الغذائي وتحسين مستوى المعيشة للأسر، ومشيرا إلى أنهم سيعملون خلال شهر رمضان على توفير الغذاء يوميا وفق الإمكانات؛ "كون التبرعات محدودة".
وتطمح الجمعية لافتتاح أفرع لها تتوزع على محافظات القطاع وأن تعمل على مدار العام، وخصوصا في ظل شح الكهرباء وغاز الطهي وانتشار الفقر.
واستهدفت التكية بوجباتها التي تقدمها خلال الأسبوع الماضي سجن غزة المركزي، والمرضى والفقراء بالإضافة إلى أسر السجناء الجنائيين وأصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة كالفشل الكلوي.
وذكر المدير التنفيذي لمؤسسة "تعاون بلا حدود" أن مشروع الجمعية لا يقتصر على التكية التي تقدم الطعام، "بل سيتضمن منجرة لمنح الأثاث للأسر الفقيرة بالإضافة للتقسيط المريح للشباب المقبلين على الزواج إلى جانب توفير فرص عمل للعشرات منهم".
وناشد رزق أيادي الخير داخل قطاع غزة بتقديم المواد الخام والمساعدات لجمعيته من أجل استمرار عمل التكية خصوصا خلال رمضان، موضحا أنهم تواصلوا مع عديد من الجهات الداخلية والخارجية -وخصوصا الوزارات- لمنحهم "وقْفا" يغطي مصروفات التكية.
المواطنة نجوى مقداد قالت من جهتها وهي تجلس مع مجموعة من النساء في انتظار الحصول على وجبة غذاء لها ولأولادها الخمسة: "لولا الحاجة الماسة وسوء وضعي الاقتصادي لما جئت للتكية".
ووصفت المشروع بالأفضل كونه يقدم الطعام للأسر المحتاجة، "فهذه المرة الثالثة التي أحصل فيها على وجبة غذائية"، متمنية استمرار المشروع.
منى جاد الله -رئيس مجلس أمناء التكية- بدورها قالت: "نسعى إلى نشر الفكرة بين رجال أعمال وأصحاب الشركات من أجل دعمها"، مشيرة إلى أن كل بداية صعبة ولذلك فلن يفقدوا الأمل في استمرار المشروع وتقديم الوجبات على مدار العام.
وتعد التكية الأولى من نوعها في قطاع غزة الذي يعاني فقرا مدقعا ونسبة بطالة عالية لم تعرف من قبل لسبب فرض دولة الاحتلال حصارا محكما عليه حوله إلى سجن كبير.
ووفق ما تفيد الإحصاءات فإن حوالي 80% من سكان القطاع -البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة، وغالبيتهم من اللاجئين- يعتمدون على المساعدات الخارجية فيما بلغت نسبة البطالة أكثر من 60% عززها الحصار الذي أفقد غالبية السكان أماكن عملهم، وحولهم إلى فقراء.