قائد الطوفان قائد الطوفان

المحرر الكركي يعود للحياة مرتين

الرسالة نت  – تسنيم النجار

"تك تك تك تك".. لا صوتَ سوى "صرير الباب"، يفتح لتظهر القيود الحديدية في يد السجان. تساءلت: ما الأمر؟ لم يدخلِ السجان عليّ ليلاً منذ زمن طويل، أحسستُ أن شيئًا غير طبيعي يحدث، وعندما بدأ السجان يقيّدني سألته: إلى أين؟، فأجاب "لا تكثر الحديث واتبعني إلى الساحة".

مشيتُ خلفه ولا أعلم إلى أين.. وصلنا المكان المراد، لستُ وحدي هنا، اطمأنت نفسي، أخبرنا أحد الضباط بأننا ضمن القائمة التي ستخرج مقابل شاليط بعد أيام قلائل، فخر الجميع ساجدين.

وحُكِم رجائي الكركي بالسجن مدة 99 عاما قضى منها11 سنة بعد توجيه تهمة له ولاثنين من زملائه بالقيام بأول عملية فدائية في انتفاضة الأقصى وإطلاق النار على مستوطنين وقتل اثنين منهم وإصابة آخرين.

مسيرة البطل

وبدأت مسيرة الاعتقال الأولى للكركي (34 عاماً) وهو في السادسة عشرة من عمره، بعد أن وجهت له تهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وتأسيس أول خلية لكتائب القسام في الضفة الغربية.

ولم ينته مشوار العذاب بعد، ففي شهر يناير عام 1994م كان الكركي على موعد مع رحلة جديدة من المعاناة، بعدما اقتحمت قوات الاحتلال منزله واقتادوه إلى زنازين الاحتلال بدون تهمة.

وأثناء اعتقاله الأول الذي دام 26 شهراً  توفيت والدته، وعلِم بالخبر بعد اثني عشر يوما عن طريق الصحف، وأثناء الاعتقال الثاني توفي ابوه الامر الذي أصابه بصدمة نفسية كبيرة، فقد اكد أنه كان يتمنى وقتها أن يدفن والديه بيده لكن الأقدار جاءت غير ذلك".

وعن إنجازاته داخل السجن، قال الكركي ضاحكًا: "أتقنت مهنة الحلاقة وبرعت في إعداد الطعام للأسرى (..) وأشتهي أكل "الزهرة"، مبينًا أن إدارة مصلحة السجون تعمدت عدم إحضارها  له إلا مرة كل سبعة شهور.

وبعد ثمانية شهور من الأسر تعرض لحادثة أفقدته الوعي لمدة 38 ساعة متواصلة، حيث كان يعاني من نزيف داخلي في المخ واحتاج لعملية جراحية استغرقت 10ساعات، وبقي بعدها فاقداً للوعي مدة يوم ونصف، وأعلن الأطباء أنه دخل حالة الموت السريري، ثم كانت المفاجأة باسترجاعه الوعي فوقف الأطباء متعجبين وأخبروه بأنه إن عاش سيعيش فترة قصيرة ومشلولا لصعوبة حالته، لكن فضل الله ومنته عليه كانت أكبر وعادت له الحياة من جديد وكأن شيئاً لم يكن.

الصفقة ..

وقع خبر صفقة تبادل الأسرى كالثلج على صدر الكركي كحال باقي الأسرى، واصفًا تلك اللحظة بقوله:" بمجرد سماعنا لنبأ الصفقة تبادلنا السلامات والأحضان وعمَّت الفرحة أرجاء المعتقل وكأننا ولدنا من جديد".

ويطير الأسير المحرر بروحه إلى السجن، ليصف اللحظة الأخيرة  التي جمعته بإخوانه قبل اطلاق سراحه ويقول: المشهد كان قاسياً ومؤلماً لنا جميعاً، تركنا أفئدتنا في السجون وراءنا، فارقنا أحبة وأبطالاً، داعياً الله أن يفرج عنهم لينعموا بالحرية.

وعند خروجه من الأسر وقدومه إلى قطاع غزة، استقبلته شقيقتاه اللتان قدمتا من الأردن والخليل، وبدت علامات الفرح مرسومة على وجهيهما بعد فراق أخيهما الذي دام أحد عشر عاماً.

وبرغم الأيام القليلة التي مضت على خروجه من السجن إلا أنه ما زال يعيش في حلم يتمنى ألا يستيقظ منه، لأنه يتذوق فيه طعم الحرية التي لامست قلوب كل المحررين، ويعجز عن وصفها الأدباء والكتاب.

ويقطن الأسير المحرر صاحب اللحية الخفيفة والشعر الغزير في فندق "موفنبيك" على شاطئ بحر غزة، برفقة عشرات الأسرى المحررين، الذين تم إبعادهم إلى قطاع غزة بعد الإفراج عنهم.

ويقارن المحرر الكركي الذي يعود أصله لمدينة الخليل وهو يتأمل المشاهد الطبيعية أمامه من أشجار وزرقة للبحر بين حياته الحالية وحياة السجون، قائلاً: أعيش الآن في رفاهية تامة، الطلبات من حولي كلها مجابة، أما في السجن فقد عشت الأمرّين.

ورغم الاستقبال والحفاوة التي منحها أهل القطاع للمحررين من أسرى الضفة والقدس، إلا أنهم ما زالوا يحلمون باليوم الذي يعودون فيه لديارهم وأهلهم، حيث يحن الكركي لأيام الصبا التي عاشها في بيته مع إخوانه وأقاربه، ويتمنى أن يزور قبر والديه اللذين حرمه الاحتلال رؤيتهما في آخر لحظات حياتهما.

البث المباشر