رام الله-الرسالة نت
تسير سيدة بين المحال التجارية ببطء وتحملق في البضائع من ملابس وأحذية، تمد يدها محاولة تفحص إحداها وسرعان ما تتركها حين تقرأ السعر المطلوب، ثم تكمل سيرها متجاهلة كل العروض حتى تقرر عدم شراء أي منها.
هذا الحال هو ما آل إليه معظم أهالي الضفة الغربية في ظل التعثر المالي الذي يعيشونه نتيجة ظروف عدة، فيطل عيد الأضحى المبارك هذا العام وهم في حالة من التخبط تتركهم حيارى أمام التزامات عديدة.
تأخير الرواتب
ولا شك أن أول مشكلة يعاني منها قطاع الموظفين في الضفة، هي تأخير صرف رواتبهم خلال الأشهر الأخيرة وعدم معرفة موعد محدد لذلك، فالكثيرون يتذمرون من تأخير صرفها لما عليهم من التزامات خاصة مع حلول عيد الأضحى.
ويقول الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية من رام الله أبو حازم لـ"الرسالة نت" إن حالة من الإرباك سيطرت على الموظف الحكومي نتيجة التلاعب بموعد صرف الراتب، فلم يعد يجد مفراً من التزاماته وأصبح بين مطرقتها وسندان تأخر صرف الرواتب والمستحقات.
ويقول:" نحن عشنا أياما لا ندري كيف أمضيناها، ففي الأشهر الأخيرة مر علينا 20 يوما دون صرف الرواتب، وبعدها صرفت لنا نصف القيمة وبعدها تأخر الصرف وهكذا، هذا الأمر ولّد لدينا إرباكا كبيرا ووضعنا أمام أزمة حقيقية، وكلما حلت مناسبة تحولت من سعيدة إلى منغصة بفعل الالتزامات وتأخير صرف المستحقات".
وتضيف زوجة أحد الموظفين على ذلك بأنها لم تتمكن من شراء ملابس جديدة لأطفالها بسبب تأخر الرواتب وسداد التزامات أخرى، وإنها "ستتدبر أمرها" بملابس شتوية قديمة وإن كان هذا الأمر يحزنها.
وتؤكد أم علاء لـ"الرسالة نت" بأن مشكلة تأخير أو عدم تحديد موعد معين لصرف الرواتب جعل الوضع المالي لدى العائلة متأرجحا وغير مستقر أبدا، خاصة وأن أهالي الضفة وُضعوا في قفص الالتزامات والقروض البنكية كي يتمكنوا من مجاراة موجة غلاء الأسعار.
بدوره يعتبر حسن رسمي صاحب محل لبيع الملابس أنه تفاجأ بعدم إقبال المواطنين بشكل اعتيادي على شراء الملابس خاصة وأن فصل الشتاء قد حل وبالتالي حاجة الناس لشراء ملابس لهذا الموسم، مؤكدا بأن القدرة الشرائية للمواطنين قلت كثيرا وهذا ما تظهره أرباح المحلات التجارية المتدنية لهذا العام.
وأضاف لـ"الرسالة نت" ساخراً:" هذا عام 2011 وكل شيء فيه مفاجئ! ولكننا فعلا لاحظنا عزوفا لدى المواطنين عن شراء الكثير من الاحتياجات بالمقارنة مع السنوات الماضية وربما السبب في قضية الرواتب وتأخيرها".
وكلما تحدثت الأنباء عن تهديدات (اسرائيلية) بمنع أموال الضرائب عن السلطة اجتاح المواطنين التخوف من عدم صرف الرواتب في موعدها وتلكؤ السلطة التي تدّعي أنها قادرة على إقامة دولة مستقلة، متسائلين عن كيفية قدرة السلطة على إقامة دولة وهي غير قادرة على تأمين الاحتياجات المالية للمواطنين في ظل رفاهية العيش لدى كبار مسؤوليها ومن ثم التذرع بقضية منع أموال الضرائب كي تقطع الرواتب عن الموظفين.
وتشكل تهديدات الاحتلال أزمة متجددة لدى أهالي الضفة خاصة في الفترة الأخيرة، حيث يشعرون بأنهم الخاسر الأول دون تحقيق إنجاز حقيقي على الصعيد الوطني.
وفي هذا يقول المواطن محمد سليمان لـ"الرسالة نت" "من غير المعقول أن حكومة الضفة تعترف بإسرائيل وتنسق معها أمنيا ومع ذلك تقطع عنها العوائد الضريبية بين الفينة والأخرى ما يدلل على استمرار الاحتلال بالابتزاز المالي والسياسي الذي من شأنه أن يطيح بحكومة ويأتي بغيرها".
قرارات خاطئة
ويقول الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم إن المشكلة داخلية وخارجية، فعلى المستوى الخارجي التهديدات من قبل الاحتلال وحالة الاقتصاد العالمي تشكل عنصرا في هذه المشكلة، أما الأخطر فهو على الصعيد الداخلي.
ويوضح عبد الكريم، في تصريحات صحفية، بأن القرارات الخاطئة في استيعاب التعيينات والتضخم في المناصب العليا دون معرفة الكفاءات وعدم التصاعدية في نظام الضرائب كذلك عدم وجود هيكلية إدارية إضافة إلى غموض في معايير اختيار الأشخاص في المناصب المتقدمة كلها أشكال أدت إلى الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها السلطة.
ويعتبر الخبير الاقتصادي أنه على صعيد الحلول يجب وضع خطة تقشف واضحة مفصلة تتناول الهيكل الإداري والمصروفات الحكومية والبطالة المقنعة التي أطلق عليها "أشباح الموظفين" الذين يتلقون رواتب دون الالتزام بالدوام الرسمي، ومن هذا سيتم استنتاج ما الذي يجب أن يبقى في عمله وكم عدد من كانوا يشغلون مناصب دون إنتاج ووضعهم في مواقع إنتاجية كي يقدموا ويعطوا عملا أفضل من شغل مناصب أخرى.
وتعتبر المواطنة سعاد حنني من نابلس أن موجة غلاء الأسعار أصبحت لا تطاق، حيث إنها تقارن دوما بين الأسعار قبل أعوام وحاليا وتجد أن جنونا أصاب المحال التجارية دون أسباب حقيقية عقلانية.
وتضيف لـ"الرسالة نت":" كلما سألت التاجر لماذا ارتفع سعر اللحم أو الملابس أو الأحذية، يقول لي "السوق هكذا أسعاره" أو "الأسعار ترتفع في الخارج وبالتالي نتأثر نحن"، وأنا لا أصدق هذا الكلام وأجد أن كلها مجاراة لأسواق أخرى دون مراعاة ظروف المواطن، حقا إنها حياة غالية الثمن وأصبحنا نفكر ألف مرة قبل أن نبتاع شيئا!"