فايز أيوب الشيخ
يتعرض الفتحاويون الهاربون من قطاع غزة لضغوط كبيرة من قبل السلطة في رام الله، لحملهم على الرجوع إلى غزة بعد أن فروا منها عقب أحداث يونيو 2007، غير أن معظمهم يخشى عقاباً ينتظره على ما اقترفت يداه بحق شعبه, علماً بأن بعض هؤلاء الفارين متهمين بارتكاب جرائم قتل أثناء وقبل هذه الأحداث.
انفلات في القاهرة
وفي التفاصيل، فقد هاجم عناصر من حركة فتح مقر سفارة فلسطين في القاهرة مطالبين بإعادة رواتبهم التي قطعتها السلطة في رام الله، كما هددوا باحتلال مقر السفارة إذا لم تصرف رواتبهم ومبلغ 250 دولار كانوا يتقاضونها من التنظيم.
بدأ تحرك هؤلاء الموالين للقيادي المفصول من فتح محمد دحلان - وعلى رأسهم عبد الحكيم عوض وماهر مقداد ونبيل طموس وأبو عاصف النجار- مع إصدار رئيس السلطة محمود عباس مؤخراً قراراً بعودة (107) منهم لغزة بزعم أنه "لا مشاكل ولا خشية من عودتهم".
وعلمت "الرسالة نت" من مصادر فتحاوية في القاهرة، أن الفتحاويين الهاربين إلى مصر بلغ عددهم (480 شخصا) و"أغلبهم من ضباط الأمن الوقائي والمخابرات وتنفيذية فتح".
وأضافت المصادر أنه جرى تشكيل لجنة فتحاوية من أجل تصنيفهم تمهيداً لإرجاعهم إلى غزة، مبينة أن اللجنة الفتحاوية رفعت توصياتها لعباس بعودة (107) منهم بزعم أنهم "غير مطلوبين"، كما أوصت بالإبقاء على الآخرين وعددهم (373 عنصراً وقيادياً فتحاوياً) لتورطهم بـ"مشاكل كبيرة في غزة".
وتشير المصادر إلى أن إصرار –الفتحاويين الهاربين- وتصميمهم على الاعتصام وتهديدهم باقتحام السفارة الفلسطينية، لكن "سرعان ما تراجعوا عنه بسبب تحذير الأمن المصري لهم"، مؤكدة أن تحذيراً شديد اللهجة وصل من الأمن المصري لـ"عوض ومقداد وطموس والنجار" يحملهم مسئولية زعزعة الأمن القومي المصري وجر محيط السفارة ومناطق أخرى إلى حوادث لا تحمد عقباها، وفق المصادر.
ويعتقد الفتحاويون المتواجدون في مصر وخاصة سيناء أن قرار قطع الرواتب بعد رفضهم العودة لغزة عائد للصراع الدائر داخل فتح بين عباس ودحلان.
بسيطة ومعقدة
من ناحيته، فقد اعتبر د. صلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أن مسألة رجوع الفتحاويين إلى غزة "بسيطة ومعقدة في آن واحد"، موضحاً أنها "بسيطة" من حيث أن كل إنسان فلسطيني يحمل الهوية الفلسطينية له الحق بالرجوع إلى وطنه بشكل طبيعي، وأما أنها "معقدة" فلأن بعضهم ارتكب الجرائم في غزة، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن الهاربين "ترافقهم قضايا قانونية وجرائم سياسية ارتكبوها تتعلق بالحق العام ومن المفترض أن تُحل جزء منها في إطار الحوار، والجزء الآخر في إطار القضاء الفلسطيني"، مؤكداً أن القضية "حق عام للشعب الفلسطيني الذي لحقه الأذى وليست حق فصائلي لحركة حماس وحدها".
ما ذكره البردويل لـ"الرسالة نت"، أكد عليه المتحدث باسم وزارة الداخلية إيهاب الغصين قائلاً " لا نستطيع منع أحد من العودة إلى وطنه بغض النظر عن انتمائه السياسي فهو حق طبيعي للجميع "، مستدركاً "لكن إذا كان هناك استحقاقات قانونية فهذا يعود للقضاء ونحن جهة تنفيذية فقط لتطبيق أحكامه وما يطلبه منا(..) كما أننا سنلتزم بأي عفو شخصي أو عفو عام يمكن أن تفضيها الحوارات الوطنية".
وشدد البردويل على أن "القضية تحل عبر طريقين، طريق الوفاق السياسي وحل كل الإشكاليات في الضفة وغزة، والطريق القضائي لأن هناك قضايا لا تُحل عبر الوفاق السياسي".
وتابع البردويل في سرد موقف حركته كالتالي "موقفنا بأن الطريق مفتوح للعودة، لكن هذه الطريق مشروطة بأمرين الأول أن الحق العام يجب أن يأخذه القضاء من أي شخص تجاوزه وعليه جنايات أو جرائم أو ما شابه ذلك، والثاني وهو حق حركة حماس وما ارتُكب بحقها من جرائم سياسية فإن هذا يتم حله في إطار المصالحة وطبعاً متزامن بين الضفة وغزة".
قرار "غير معلن"
من ناحيته، عبر جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عن تأييده لقرار رئيس السلطة برجوع الهاربين من حركته، مؤكداً على أنه يجب الاتفاق مع الطرف المصري وحركة حماس بألا يتم التعرض لهم وخاصة أننا على أبواب المصالحة والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفق قوله.
وتوقع العالول في حديثه لـ"الرسالة نت" أن يجري التفاوض مع حركة حماس حول رجوع –الفتحاويين الهاربين- إلى غزة، موضحاً أن اجتماع مركزية فتح الأخير برئاسة عباس قد جرى خلاله مناقشة الموضوع وتكليف عضوي اللجنة عزام الأحمد ومحمود العالول بالمتابعة.
ورفض محيسن الإفصاح عن القرار الفتحاوي الرسمي بهذا الخصوص قائلاً "أتصور أن هذا الملف صار فيه (حلحلة) لا أريد التحدث بخصوصها في الإعلام".
وحول موقف حركة حماس المعلن من رجوع –الفتحاويين الهاربين- تساءل محيسن "ما فائدة أن يخضع هؤلاء للقضاء في الوقت الذي نتحدث فيه عن إجراء مصالحة مجتمعية؟ كيف سنُخرج معتقلين سياسيين ونحن نعتقل آخرين (..)؟ إذا كنا سنجري المصالحة فمن باب أولى أن يرجع الفتحاويون، حيث إن هناك بعض الملفات يجب أن تُغلق ومن ضمنها الاتفاق السياسي على رجوع من خرجوا من غزة وإغلاق ملف من قتلوا ..!"، كما ذكر.
أما النائب الفتحاوي محمد حجازي فقد قلل من مدى تخوف –الفتحاويين الهاربين- من الرجوع إلى غزة، معتقدا بأن لا ضرورة لبقائهم في الخارج , وقال "حماس لا تمانع في عودة الذين خرجوا إبان الانقسام ".
وأوضح حجازي لـ"الرسالة نت" أنه خاطب السلطة في رام الله بشأن هدفها من قطع رواتب –الفتحاويين الهاربين- فكان الرد بأنها "وسيلة ضغط لضرورة وجودهم في غزة"، داعياً إياهم إلى الرجوع طالما أن ذلك لا يشكل عليهم خطراً أو ليس لهم أعمال مكلفين بها، علماً بأن رئيس السلطة حدد العشرين من الشهر الجاري آخر موعد لرجوعهم، حسب تأكيده.
وفي ذات الإطار عبر النائب الفتحاوي عن رفضه لما قال عنها "سياسة قطع الرواتب ومنع جوازات السفر بغض النظر عن الانتماء السياسي"، معتبراً ذلك حق للمواطن الفلسطيني أن يحمل جوازاً وأن يتلقى راتبه نظير عمله في السلطة.
تجدر الإشارة إلى أن كوادر وعناصر حركة فتح "الهاربين" طلبوا –عبر بيانين متتابعين- من حركة حماس والحكومة الفلسطينية "بالعفو عنهم والسماح لهم بالعودة في أقرب وقت ممكن"، مستنكرين ما عقبت به قيادتهم بنفي طلبهم وعلق بعضهم -من خلال المواقع الإعلامية- على الحالة السيئة التي يعيشونها والتهميش الواضح من قيادتهم و نظرة الثوريين المصريين التي تلاحقهم أينما ذهبوا.