غزة - مها شهوان
قبل أسبوع استيقظ أهالي قطاع غزة على فاجعة بشعة تقشعر لها الأبدان حين أقدم الشاب سامر الحويحي (22 عاما) على قتل والديه ليلا مستغلا نومهما، فأطلق الرصاص صوبهما من أجل سرقة المال والفرار إلى أرض الأحلام "أمريكا" لكن سرعان ما وقع في قبضة الشرطة ليلقى مصيرا لا يحبذه أحد من شباب جيله.
الواقعة السابقة التي تناقلتها وسائل الإعلام أودت بالشاب إلى السجن، فالبعض أرجع ما قام به إلى الدلع الزائد كونه "آخر العنقود"، وآخرون قالوا إن تعاطيه للمخدرات وجشعه بالمال الذي أعماه جعله يقتل من أوصى رب العالمين بطاعتهما.
الحكاية السابقة جعلت "الرسالة" تنبش عن حكايات أخرى جعلت الأبناء يحملون لقب "عاق لوالديه" كوصمة عار تطاردهم طوال حياتهم وبعدها.
عامان كالعلقم
في أحد مخيمات القطاع كان الحاج الستيني أبو أيمن يتخذ من قارعة الطريق متنفسا له للهروب من مشكلات أبنائه الذين كانوا يفتعلونها له بالبيت لإزعاجه، فدائما ينعتونه بالألفاظ النابية.
أصيب أبو أيمن بأمراض مزمنة كالضغط بعد أن فقد عمله داخل الأراضي المحتلة عام 48، وبات أولاده يعملون ويصرفون على البيت لدرجة أنه وفي حال طلب منهم القليل من المال يقابلونه بوابل من الشتائم، مما دفعه للذهاب لقارعة الطريق وانتظار أحد المارين عله يرأف لحاله ويعطيه ما تجود به نفسه.
وبعد صراع طويل بين الأب والأبناء صعدت روحه للسماء، ولكن نيران الحقد لم تتوقف، فأصبحت الأم هدفا جديدا لهم، فأجبروها على خدمة أطفالهم وفي حال تذمرت من ذلك أو اشتكت قاموا بنعتها.
لم تحتمل الأم وضاعة أولادها فأصيبت بصدمة عصبية لم تفق منها حتى لحقت بزوجها بعد شهرين من وفاته.
وفي رواية أخرى لابن ترك والدته وأخته وسافر للخارج ليكمل دراسته لكنه ومن فور انتهائه عاد برفقة زوجه التي وصفها جيرانها بالمتجبرة واحتل البيت الصغير الذي تسكنه والدته وأخته الكبيرة وطردهما منه بعد أن أطعمهما أنواع العذاب البدني واللفظي شتى، الأمر الذي لم تتحمله والدته ففارقت الحياة غير راضية عنه، وفق قول ابنتها.
وفي هذا السياق تقول الحاجة ميسر (53 عاما): "لم أتزوج بعد وفاة والداي وسفر أخي رغبة في خدمة أمي"، مشيرة إلى أن أخاها عاد قبل عامين وجعل حياتهما كالعلقم، فكثيرا كان يردد على مسامع أمها: "متى تموتي ونرتاح منك؟".
وأضافت وفي عينها دمعة خانتها وسالت على وجنتيها: "هل لكم أن تتصوروا أن أخي ضربني وسحبني من شعري في الشارع لإرضاء زوجه، وكذلك كان يشتم والدتي حتى جعلها تخرج من البيت لاجئة للجيران رغم كبر سنها"، متابعة بحرقة: "توفيت والدتي منه، وما زلت أبيت عند الجيران بدلا من بيتنا الذي بنيته من تعبي".
الأمراض النفسية
وعلى الصعيد النفسي تحدث الاختصاصي إسماعيل أبو ركاب أن الطفل حين يفرط ذووه بدلاله ويعلمونه سلوكيات وألفاظا سيئة فهو يتشبعها وتصبح مفاهيمه الذاتية، "مما يدفعه لإيذاء أي شخص كان حتى إن كانا والديه؛ باعتبار ذلك جزءا من تربيته الاجتماعية".
وأكد أن الطفل في حال شعر بالإهمال من ذويه في صغره يسعى في مرحلة المراهقة لتعويضها بسلوكيات عدوانية ضدهم، لافتا إلى أن الدلال الزائد يساوي العقاب والتجاهل بحق الطفل؛ "باعتبار أن المدلل من الأبناء والمهمل منهم لديهم الإشكالية نفسها من حيث عدم إدراكهم للمعايير الأسرية والمجتمعية التي يصبح لديهم خلل فيها".
وعن نفسية الوالدين جراء ما يقوم به أبناؤهم من معاملة سيئة اتجاههم قال أبو ركاب: "أغلبهم يصابون بالإحباط أو بعض الأمراض النفسية جراء السلوكيات الشائنة من أبنائهم".
وعلى صعيد الآداب العامة التي يجب على الأهل اتباعها كي لا يقعوا في فخ العقوق فنصحهم بأن يلبوا احتياجات أبنائهم وأن يقتربوا منهم في صغرهم ويعلموهم الأخلاق الحميدة من مدرسة الرسول الكريم، داعيا الأبناء في الوقت نفسه إلى طاعة والديهم في جميع مناحي الحياة.
عقوبة في الدنيا والآخرة
الدكتور ماهر السوسي -أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية- أكد بدوره أن عقوق الوالدين من الكبائر التي دعا الرسول لاجتنبها؛ "كونها من الموبقات السبعة"، مشددا على أن من يعصي والديه سيخسر في الدنيا والآخرة.
وقال: "الشريعة الإسلامية اعتبرت من يعصي والديه كافرا"، مشيرا إلى أن بعد الأسرة عن التربية الإسلامية والاحتكام لأوامر الله من الأسباب التي تؤول إلى عقوق الوالدين.
وعن قيام بعض الأبناء بتعنيف أوليائهم لارتكابهم سلوكيات سيئة قال السوسي: "المعصية لا تعالج بأخرى حتى لو كان الوالدان سيئين؛ لقوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)"، موضحا أن رب العباد طالب الأبناء بطاعة ذويهما ومعاملتهما معاملة حسنة.
وفي الختام هي نصيحة لكم منا أيها الأبناء: عليكم بطاعة والديكما مهما كانا قاسيين عليكما، وتذكروا: "كما تدين تدان".