غزة – مها شهوان
في منزله بحي الزيتون قرب كنيسة القديس بيرفيروس يقطن الشاب المسيحي عبدالله جهشان -26 عاما– وعائلته, يزينون شجرة عيد الميلاد لاستقبال عيدهم في السابع من يناير كونهم ينتمون لطائفة الروم الأرثوذكس.
في جو يملؤه الضحك والدعابة, يزين جهشان الشجرة برفقة شقيقاته الثلاث حيث تسارع كل منهن بمساعدة شقيقها بوضع شيء يميز الشجرة فإحداهن تضع القطن الابيض على الشجرة ليوحي بانه ثلج واخرى تعلق "القفافيش" -الكرات الملونة- وثالثة تلصق النجمة المجوسية التي تعتلي شجرة عيد الميلاد, وكذلك ينثرون الحلويات على الافرع الخضراء.
****** شجرة عيد الميلاد
بسعادة غامرة تحدث عبد الله "للرسالة" عن استعداداتهم في العيد فيقول: قبل العيد بأيام نبدأ بتجهيز الشجرة وإعداد الحلويات وبعض الاكلات لاسيما المفتول والفتة والديك الرومي وكذلك نشتري ملابس جديدة، مضيفا وهو يضع لمساته على شجرتهم: يوم العيد اذهب برفقة عائلتي للكنيسة للصلاة ونعايد على أقاربنا ومن ثم نذهب للبيت من اجل استقبال المهنئين سواء المسيحيين او المسلمين.
وتابع وهو يلتقط من اخته أحد "القفافيش" حمراء اللون: افتقد كثيرا لشقيقتي التي تعيش مع زوجها في بيت لحم فمنذ خمس سنوات لم اتمكن من رؤيتها الا عبر الانترنت كون الاحتلال يمنع دخولي مثل بقية شباب القطاع.
ويسعد جهشان حينما يشارك رجال الحكومة بغزة ابناء طائفته العيد, من خلال تهنئتهم وزيارتهم لمطران الكنيسة وتقديم الهدايا، بالإضافة الى توفير الحكومة الحراسات الخاصة ايام العيد لتأمين المنطقة منعا لأي مكروه، واصفا العلاقة بين ابناء طائفته وحكومة حماس بالجيدة حيث ان الحكومة حينما تقيم الاحتفالات تدعو فريق الكشافة التابع للكنيسة بالمشاركة في بعض الفعاليات الامر الذي يسعدهم.
فمنذ سنوات يفتقد قطاع غزة لشجرة عيد الميلاد التي كانت تقيمها السلطة في ساحة الجندي المجهول, وعن ذلك ذكر الشاب جهشان: الشجرة مفقودة منذ انتفاضة الاقصى حزنا على الشهداء والاوضاع التي كان يمر فيها القطاع.
قاطعته الحديث شقيقة ماري لتقول بعفويتها: انتظر العيد كل عام لزيارة الاقارب واستقبال الاصدقاء في بيتنا لاسيما المسلمين، واصر على مشاركة عائلتي بتزيين الشجرة، متابعة: خرجت برفقة شقيقاتي لشراء ملابس جديدة للعيد واستعد للذهاب الى الكنيسة للاحتفال مع ابناء طائفتي.
وتسترجع ماري ذكرياتها حينما كانت تذهب الى مدينة القدس واريحا وبيت لحم لرؤية الاصدقاء هناك واللعب معهم عندما كان يسمح لها بالسفر وشراء كل ما تحتاجه كالملابس والشوكولاتة التي تأخذ شكل "بابا نويل"، لكنها الان تكتفي بمعايدتهم عبر الانترنت والجوال.
**** عيد في المعتقل
لم يغب عن "الرسالة" الحديث مع ابن مدينة بيت لحم المحرر المبعد كريس البندك 32 عاما, فبمجرد سؤاله عن احتفاله بالعيد صمت قليلا ليقول بلوعة المشتاق: "كنت اتمنى الاحتفال بكنيسة المهد مع اهلي واصدقائي لكن الاحتلال لم يكتف بحرماني احد عشر عاما داخل المعتقل حتى ابعدني الى غزة لأحرم من عائلتي مرة اخرى"، مضيفا: اهل غزة بمسلميها ومسيحييها احتضنوني منذ اللحظة الاولى لكن حب مدينتي دائما يناديني.
ويرجع بذاكرته للوراء مستذكرا الاعياد التي قضاها بالأسر قائلا: اصعب الايام التي تمر على السجين هي الاعياد والمناسبات ويصعب تشبيهها بشيء فهي اللحظات التي يتمنى ان يكون فيها الاسير مع ذويه، مستطردا: اكثر ما كان يوجعني حينما اتذكر ذكرياتي مع اهلي، فلا أعرف ماذا كان سيحدث لي في المعتقل لولا دعم اخواني الاسرى وقتئذ.
وعن ذكرياته التي كان يمارسها في العيد بمدينة بيت لحم تحدث البندك انه كان يخرج برفقة اقاربه بعد الصلاة الى الاحتفالات التي تقام برام الله والمنطقة التي كان يقطنها ويزور بنات عائلته ويعيد عليهن، بالإضافة الى مشاركته في فريق الكشافة التابع لكنيسة المهد، متابعا بابتسامة خافتة: ذكريات جميلة حينما كان يأتي الليل واطلق الالعاب النارية الكبيرة في عنان السماء فيفرح الاطفال.
وبعد انتهاء الحديث مع البندك تواصلت "الرسالة" عبر الفيسبوك مع الفلسطينية نينا ابراهيم -37 عاما- حيث تقيم في السويد برفقة زوجها وابنائها منذ تسعة اعوام وتقول: بالرغم من بعدي عن وطني الا انني اجهز للعيد كما لو كنت بغزة، حيث اعد الزينة التي ازين بها بيتي من الداخل والخارج بالألوان الزاهية، ويوم العيد اصر على اصطحاب اطفالي الاربع للصلاة في الكنيسة ومن ثم الاحتفال مع ابناء الجالية الفلسطينية من المسيحيين والمسلمين".
وتتابع نينا التي تنتمي لطائفة الكاثوليك: منذ هجرتي للسويد احرص على ترسيخ عاداتنا بالعيد لدى ابنائي خشية تأثرهم بعادات الغرب.
واعتادت بعد الانتهاء من لقاء الاصدقاء بالذهاب لبيت والدتها مع ابنائها وزوجها لتناول طعام الغداء والذي يكون كما اعتادوا بفلسطين حيث تجهز والدتها لهم "المفتول" و"الكُرش" المفضلة لديهم الى جانب الحلويات الشعبية.
يذكر أن عدد أبناء الطائفة المسيحية في قطاع غزة يقارب الـ 3 الاف مسيحي, موزعين على احياء مختلفة لاسيما حي الزيتون والرمال, وينتمون لطائفتي الروم الأرثوذكس والكاثوليك.