غزة - مها شهوان
وقف شاب في بداية العشرين من عمره مناديا وسط سوق فهمي بيك: "يلاّ.. اللاصقة السحرية بثلاثة شواقل.. تزيل أوجاعك دون ألم", وبمجرد سماع المارين نداءه تجمهروا حوله لشراء منتجه معتقدين بصدق كلامه, ولاسيما بعد شرحه طريقة الاستخدام لهم وقصّه عليهم الحالات التي تعافت من وراء اللاصقة.
ضيق الحال والظروف الاقتصادية السيئة للغزيين دفعت الجشعين لإفراغ جيوب المحتاجين ولاسيما المرضى منهم، ولبيعهم لاصقات سحرية وخلطات قد تودي بحياتهم لتركهم العلاج الذي يصفه الطبيب لهم.
"الرسالة" استمعت لتجارب بعض المواطنين جراء استخدامهم لتلك العقاقير السحرية الكاذبة التي يروجها من باعوا ضمائرهم مقابل حفنة من الشواقل.
اللاصقة السحرية والكاكاو
على أحد أسرة مستشفيات القطاع رقد الحاج الستيني أبو العبد الذي يعاني من مرض السكري منذ عشر سنوات حتى كادت روحه أن تفارق جسده لتخليه عن علاجه الذي وصفه له الطبيب واستخدامه للاصقة السحرية التي خدع بها وظن أنها ستزيل أوجاعه وستخفف عنه مصاريف العلاج.
أبو العبد لم يكن يعلم أن ما يشاهده عبر الفضائيات المروجة للاصقة السحرية والباعة المتجولين مجرد كلام معسول، وأنه سيكون ضحية لذلك ويخسر صحته، فيقول: "وضعي المادي بالكاد يسد رمق أبنائي وحين سمعت باللاصقة السحرية توجهت لشرائها لعلي أخفف من مصاريف علاجي، ولكن كانت النتيجة عكسية وكدت أن أفقد حياتي".
أما الشابة فاطمة شعبان -25 عاما- فلها حكاية أخرى، فهي ورغم جمالها فإنها تعاني من السمنة, ولم تنفع معها أي وصفة طبية لتخسيس وزنها، ولكنها من فور مشاهدتها لإعلانات اللاصقة السحرية عبر الفضائيات باتت تبحث عنها في الصيدليات حتى ظفرت بها, فقد كانت تشتريها بمئة شيكل لندرة وفرتها في السابق، ولكن دون نتيجة.
وتقول بكلمات ساخرة: "حين اشتريت اللاصقة السحرية لخفض وزني كان معها نظارة جلدية سوداء توضع على العين، ومخدة طبية بمجرد نفخها يمكن النوم عليها، فهي خدعة كأنني بعد النوم عليها ووضع اللاصقة السحرية على بطني سأفيق وأغدو كعارضات الأزياء بقوام ممشوق"، وتضيف: "لم أتعلم من الخدعة الأولى التي وقعت بها بل سارعت واشتريت "بومبوني" بطعم النعناع سمعت أنه يعمل على تخسيس الوزن, وبمجرد تناوله زادت دقات قلبي حتى ظننت أنني سأفارق الحياة".
العقاقير والخلطات التي تغزو السوق الغزي رغم محاولة وزارة الصحة والاقتصاد مصادرتها لكنها ما زالت موجودة, فلم تقتصر على وصفات تخسيس الوزن أو إزالة الأوجاع بل ظهر منها منشطات جنسية تباع كعلب كاكاو يبلغ تأثيرها أضعاف "الفياجرا"، وبسعر يصل لـ250 شيكل.
وقبل حوالي شهر ألقي القبض على رجل يحضر كريمات لتفتيح البشرة في بيته بمساعدة زوجه وأبنائه يخلطون العبوات ويجهزونها ويضعون عليها مغلفا مغريا كتب عليه صنع في فرنسا لكنه لم يصنع سوى في "عسقولة".. تلك الحكاية رواها أحد موظفي وزارة الصحة متهكما على الحال الذي وصل إليه المخادعون.
ويضيف: "حين صادرنا المعدات وجدنا مادة يضعها في الخلطة وزيادة استخدامها تتسبب بسرطان الجلد رغم أن نتيجة الكريم سريعة وتفتح البشرة، ويباع بسعر يصل لخمسين شيقل".
الدستور الدوائي
بعد سماع حكايات المواطنين الذين وقعوا ضحية لزيف الكريمات واللاصقات السحرية التقت "الرسالة" د. رياض السقا مدير التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة، إذ ذكر أنه في والسنوات الأخيرة طرح عدد كبير من المستحضرات والمكملات الغذائية بطريقة عشوائية، "ودون تسجيلها.. حتى باتت تحل مكان الأدوية الرسمية والمعتمدة بالوزارة"، مشيرا إلى أن وزير الصحة أصدر تعليمات بوقف استيراد المكملات الغذائية كافة.
وأشار إلى أن كثيرا من المواطنين يعتقدون أن كل ما بداخل الصيدليات مرخص ومضمون، "مما يدفع بعض أصحابها لترويج ما يريدون من منتجات غير مرخصة قد تضر بالمرضى وتودي بحياتهم".
واستعرض السقا بعض اللاصقات والمكملات التي صودرت من الصيدليات, مؤكدا أن اللاصقة السحرية -بالذات- لها مضرة مالية وبشرية، ولافتا إلى أن وزارته تعاونت مع وزارة الاقتصاد لمصادرة تلك المنتجات الضارة؛ "كونها باتت تروج عبر الأسواق".
ونوه إلى أن قانون الصحة العام لا يجيز تسويق أي مستحضر ذو صفة علاجية إلا بعد ترخيصه وتسجيله عبر الصيدليات المرخصة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه ووفق القانون فيجب أن تكون جميع العقاقير الطبية في فلسطين أيضا مسجلة في الدستور الدوائي المعتمد من الوزارة، "ووفق نظام تسجيل موحد".
وعن عقوبة الصيدلي الذي يروج لمكملات غذائية ومستحضرات تجميلية دون ترخيص أوضح السقا أنه يجري تحذير الصيدلي، "وإن لم يستجب تسحب بضاعته ويحول للنائب العام"، ناصحا المواطنين بتوخي الدقة فيما يتعاطون.. "من حيث تأكدهم إذا كان الدواء مرخصا في فلسطين أو في بلد المنشأ أو الدول المجاورة".
وفي الختام هي نصيحة لكم أيها القراء: عليكم باللجوء إلى الطبيب في حال سقمكم وأخذ الوصفة منه بدلا من الانجرار وراء ما تروجه "الفضائيات الهابطة" من دجل طبي.