المحرر مصلح: عشق الجانب الروحاني والعلوم السياسية

المحافظة الوسطى-محمد بلّور-الرسالة نت

نبش الذاكرة وحده لا يجدي مع الأسير المحرر عيد مصلح فبالإمكان استدعاء كثير من المواقف والقصص بمنحه طرف الخيط .

اعتقل في 11 فبراير سنة 1992 بتهمة قتل عملاء الاحتلال ومحاولة اختطاف مستوطن قرب مستوطنة كفارداروم والمشاركة في أول خلية لكتائب القسام فحكم بالسجن المؤبد .

رحلتي مع القسام

بدأ مصلح 47 سنة رحلته مع حماس بالمشاركة في فعاليات انتفاضة الحجارة والعمل في "جهاز الأحداث" ثم بدأ في العمل الأمني وملاحقة العملاء حتى راودته وزملائه فكرة تأسيس جهاز عسكري لحركة حماس في أيار 1990 .

عن تلك المرحلة أضاف :"أرسلنا رسالة لقيادة الحركة نطلب بدء العمل الجهادي سنة 1990 وكان بين أيدينا ملفات عملاء منذ عامين فردوا بعد 3 شهور أنه من المبكر حتى أبلغونا بشهر 2-1991 بإقرار الفكرة" .

يعتبر المحرر مصلح نفسه من قلة يعرفون جيدا شخصية وبطولة الشهيد محمد قنديل ويصفه بأنه شجاع يتخذ أي قرار جرئ اقتنع به .

مكث مصلح عامين يعمل برفقة مجموعة سريّة لا يعرفها سوى أحدها حتى اعتقل وتفاجأ بزملائه في التحقيق , حينها فقط علم أن صاحبه قنديل العقل المدبر وصديقه المحرر حازم العايدي حلقة الوصل ! .

تركز نشاط مجموعة مصلح في ملاحقة العملاء مستخدمين السلاح الأبيض "السكاكين" حيث لم يكن باستطاعتهم شراء السلاح الناري لنقص المال .

32 يوم في التحقيق

كانت ليلة شتوية باردة من شهر فبراير عندما داهم الجنود منزله واقتادوه إلى العربة العسكرية وهناك بدأ التحقيق معه مبكرا في داخل العربة .

عن ذلك يضيف :"كنت متفاجئاً وبدأ التحقيق وأنا في السيارة فقالوا لي أمسكنا بكم أنتم قتلة العملاء ومكثت 32 يوم في تحقيق سجن سرايا غزة" .

في أحد أيام السجن بالسرايا تناهى لسمع مصلح وزملائه صوت إطلاق نار كثيف واشتباكات مسلحة حتى جاء احد المحققين ومعه صورة الشهيد محمد قنديل لحظة استشهاده وقال لمصلح وأصدقائه "هذه صورة قنديل !" .

فرح مصلح باستشهاد قنديل لأنه تمكن من قتل ضابط ثم مضت الأيام متشابهة حتى حكم بالمؤبد ثم نقل بعد انتهاء التحقيق لزنازين الترحيل وبعد 5 شهور نقل لسجن عسقلان .

سجن عسقلان

تفحّص بعينين حائرتين نزلاء الحجرة الأولى التي ستكون مقرا له بعسقلان فرأى مسئول الحجرة وقد كان سامي أبو زهري والتقى قادة آخرين .

كم كان سعيدا عندما سمع بامتلاك كتائب القسام لأول قطعة سلاح سنة 1992 وهو الذي عمل في مجموعة القسام الأولى التي امتلكت فقط سلاحا أبيض وفي أحسن الأحوال بندقية كارلو برصاصتين ومسدس برصاصة واحدة ! .

كانت 4 سنوات ثقيلة ومتساوية الملامح مرت قبل أن ينقل لسجن نفحة حيث أمضى 7 سنوات ثم تنقل بين سجون شطة والرملة وبئر السبع ونفحة .

مع مجيء السلطة الفلسطينية ثارت حلقات نقاش سياسية بين مصلح وكثير من الأسرى حول رؤية حماس للتعامل مع السلطة.

تنبأ الشهيد إسماعيل أبو شنب بضعفها بعد سنة 2000 وتحدث عن ضرورة الصبر وتحمل الأذى حتى تضعف مع المحافظة على مقارعة الاحتلال .

أما الشهيد صلاح شحادة فكانت رؤيته للمقاومة أن تحول المجموعات العسكرية لما يشبه الجيش ليكون عصيّا على الكسر .

اتفاق واي بلانتيشن

لازالت تعلق في ذاكرته تلك الزيارة التي تزامنت مع توقيع اتفاق واي بلانتيشن حين زار القيادي في فتح محمد دحلان وهشام عبد الرازق السجون وقالوا: "نحن نفاوض فقط على أسرى منظمة التحرير" .

في ذلك اليوم من سنة 1999 أضرب أسرى فتح وقالوا لأسرى حماس هذا إضراب سياسي ولا تشاركونا! .

تسللت أنامل عيد مصلح للمصحف بجواره ففتحه فإذا به يكشف تلقائيا عن سورة النحل والآية "أتى أمر الله فلا تستعجلوه..." شعر حينها بغصّة الألم .

في تلك الأيام أخبر القيادي بفتح نبيل شعث أسرى فتح أنهم سينقلون وستحقق لهم السلطة كثير من المطالب والمنجزات وقد كان الواقع معاكسا حتى طالب أسرى فتح بالعودة لجوار أسرى حماس بعد أقل من سنة .

المبشّرات

فيما كانت شرارة انتفاضة الأقصى تشق الظلام شرعت إدارة السجون بالانتقام من الأسرى فأوقفوا الزيارات وسموا معظم الأهل بالممنوعين أمنيا ومنعوا الملابس والطعام وزيارات الأسرى لبعضهم.

كثيرا ما نشطت أحلام عيد مصلح وسجلت له رؤى حدث بها كثير من الأسرى حوله ولعل أشهرها ثلاثة.

عن أولها يضيف:"بعد اتفاقية واي ريفر 1999 رأيت أننا في نفحة ومقفل علينا وأتى فرسان يرفعون رايات مختلفة الألوان ثم كسروا الباب وأخرجونا وقد أولتها بخطف شاليط وكانت بداية مواساتي" .

الرؤية الثانية كانت قبل الحسم العسكري بغزة ورأى فيها :"ليلة الخميس رأيت صلاح الدين في عامه الثلاثين وجهه أحمر وطويل القامة عريض المنكبين يلبس عباءة قطيفة مقصّبة ومعه سيف مذهب وعلى الشمال يحمل قرآن ويقرأ وأنا بجانبه" .

ويتابع: "كان خلفنا أبو جهل يحمل خنجر وهو مقيّد يحاول طعننا فأخذت السيف وقطعت رقبته وحاولت إعادته لصلاح الدين فامسك معصمي وصمت ".

وفي ليلة الخميس التي سبقت الحرب رأى مصلح صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرون وهم مسلحين ويصعدون تلة وهناك نار القصف تنزل من السماء وكان هناك مصابين وكان الصحابة يكبرون ولم ينزلوا عن التلة .

وفي ذات الرؤية شاهد إسماعيل هنية بيده عمود من رخام مكتوب عليه مطلع سورة الأنفال وبجواره خليل الحية يحمل عمود رخام مكتوب عليه مطلع سورة التوبة وهم يصعدون وخلفهم مقبرة بها جثث الأطفال .

الروحانية والسياسية

رغم حالة الاضاد الواضحة بينهما إلا أن المحرر مصلح متأثر جدا ويحب الروحانيات وقد غاص كثيرا في بحر علوم ابن القيم الجوزية وكتب السياسة خاصة كتب هيكل ومجلة الدراسات الإستراتيجية .

ويضيف :"درست 3 سنوات في الجامعة العبرية علوم سياسية وافتقدت لدورة لغة وخلال التنقلات والعقاب لم أملك المال الكافي فلم أكمل لكني حصلت على كشف الدرجات الأخير".

ويمنح الجانب الروحي للأسير كما يقول الوقود الذي يحتاجه أي مجاهد ليحي بنقاء وصفاء أما السياسة فبدأ عهده معها منذ منحه الشهيد إسماعيل أبو شنب فن المقال السياسي ليفهم كيف تتخذ حماس في الخارج قراراتها .

يحتاج الأسير كما يرى للتواصل مع أسرته ومن الإعلام يحتاج رؤية أهله أما قانونيا فيحتاجون لتكثيف وجود المحامين لانجاز مطالب وتخفيف أحكام تحول قلة المال دون تحقيقها .

ويضيف:" لو كان موجود محامي في كثير من القضايا لحصل الأسير على أحكام مخففة كثيرا خاصة أسرى غزة الذين يحكمونهم سنوات طويلة".

وتعود تفاصيل الحياة لتكشف عن ملامحها المغادرة رويدا رويدا في حياة مصلح فيمضى وقته الآن بين المساجد ويلقي بعض المحاضرات عن تجربته .

ورغم أنه أمضى عشرين سنة في الأسر إلا أنه يقول:"ذروة الجهاد لازالت في قلوبنا"  

ولكل محرر ألف حكاية وحكاية يختلج بها صدره وبإمكانه أن يحدثها للناس ولعلهم يحتاجون الكثير من الوقت ليتحدثوا عن أدق التفاصيل .

البث المباشر