قائد الطوفان قائد الطوفان

نسبتهم في القطاع بلغت 3%

المعاقون يصرخون "لسنا عبئا عليكم"

غزة- مها شهوان

لم يثر استعطافه تخلفها العقلي حتى انقض عليها كالوحش الذي اصطاد فريسته (..) لم يكتف بفعلته, بل كررها مرارا الى ان وقعت الفضيحة "حامل" .. حالة من الصدمة انتابت ذويها عند مشاهدة بطنها ينتفخ لكنها لم تع بعد ما حدث لها على الرغم من اكتمال ربيعها العشرين.

تلك الحكاية لم تكن مشهدا في فيلم درامي, بل قصة واقعية حدثت في القطاع لفتاة "معاقة", أهملها ذووها بعد ان تركوها في عالم المجهول، تخلصا من صراخها وخشية على أخواتها اللواتي -بحد زعم والدتهن- "على وجه زواج".

حينما علم القاصي والداني الحادثة المذكورة طلب الأهل إسقاط الجنين بعدما اشبعوا ابنتهم ضربا وكأنها تدرك ما حدث لها ، إلا أن الأطباء رفضوا ذلك لكن بعد إلحاح وتدخل بعض الجهات المعنية أجهض الجنين دون معاقبة الجاني.

حكايات عديدة أنصتت إليها "الرسالة" فكل واحدة منها تثبت مدى إهمال بعض الأهالي لأبنائهم المعاقين وكأنهم عالة عليهم ووصمة عار التصقت بهم ، وبدلا من مساندتهم ومؤازرتهم يتجاهلون وجودهم ويحاولون التخلص منهم بشتى السبل.

بعض الاهالي ربطوا أبناءهم أو أخفوهم عن العين, أو استغلوهم في التسول والقيام بأعمال لا يقوون عليها.

*******أسلوب عادي أو إجرامي

وفي حكاية أخرى لطفل "منغولي" يبلغ من العمر تسعة أعوام حاول ذووه التخلص منه بشتى السبل, فلم يرحموا طفولته ولم يشكروا رب العباد على ما ابتلاهم، على الرغم من صغر سنه إلا أنهم أغروه "بالشوكولاته والشيبسي" مقابل جلب البضاعة من الأنفاق.

الطفل محمود روى لمعلمته في الحضانة بكل براءة ما حدث معه وهو في حالة سعادة, رغم علامات الإعياء التي بدت على ملامح وجهه الصغير قائلا بلهجة متلعثمة تفهمها مدرسته: " نزلوني أخواتي بالنفق أجيب علب دخان وحاجات".. ثم راح الطفل يسترجع بخياله ما حصل معه متابعا: "كنت بدي أموت لمن انقطعت الكهربا ضليت بالنفق كتير وبس اجت اطلعت وأعطوني شيبس".

الرواية السابقة وغيرها من الحكايات كانت الدافع لتسليط "الرسالة" الضوء على قضية اهمال الأهالي لأبنائهم المعاقين, وللبحث في الأسباب الاجتماعية تحدثت "الرسالة" مع الاختصاصي الاجتماعي عطا أبو ناموس - قاد الكثير من البرامج التأهيلية لدمج المعاقين في المجتمع –حيث قال:" غالبا ما ينظر المجتمع إلى أن المعاق عاجز لكن هناك نسبة كبيرة أثبتت إبداعاتها في مجالات عدة، مستطردا: المعاق هو من يفرض ذاته داخل المجتمع من خلال إمكاناته وقدراته المتميزة.

وأضاف: "هناك بعض المعاقين لا يوجد لديهم الإرادة الكافية لإظهار موهبتهم خوفا من المجتمع وبالتالي تدفن معهم"، مبينا أن العامل الاقتصادي أيضا يلعب دورا هاما في تهميش المعاق اجتماعيا من خلال الخدمات والأدوات الصحية المتوفرة لديه".

وحول دور المجتمع في تقبل وجود ذوي الاحتياجات الخاصة طالب أبو ناموس المجتمع خاصة المؤسسات الأهلية والحكومية باحترام المعاق، لاسيما أن القانون الفلسطيني منحه 5 % من العمل الحكومي لكن هذا القانون لم يفعل بالشكل المطلوب "، داعيا وسائل الإعلام إلى إلقاء الضوء على قضية المعاقين بشكل مستمر.

جميع المؤسسات الاجتماعية والنفسية تعقد باستمرار ورشات عمل حول قضية المعاقين لدعمهم, وفيما يتعلق بذلك روى أبو ناموس أنهم يضعون الخطط العلاجية لدمج المعاق في المجتمع كي لا يقلق الآخرون منه.

وذكر الأخصائي الاجتماعي أبو ناموس أنه من خلال برامج التوعية التي كان يشارك فيها ذوو الاحتياجات الخاصة يتم عرض فيديوهات لأشخاص مثلهم اثبتوا ذاتهم وذلك لتحريك إرادتهم عبر المحاكاة.

و لفت إلى أن المجتمع ينظر للتخلف العقلي نظرة خوف من مخاطره وكذلك الأمراض النفسية القوية، مشيرا إلى وجود إعاقات مقبولة لا تقلق المجتمع كالصم والمكفوفين.

وارجع أبو ناموس سبب خجل الأسر من وجود معاقين داخلها إلى الخوف من النظرة الدونية من الآخرين مما يدفعهم لمنع أبنائهم من مواجهة المجتمع إما بأسلوب عادي أو إجرامي.

في كثير من الأحيان نجد بعض المتخلفين عقليا يجوبون الشوارع والدماء تسيل منهم لقلة اهتمام ذويهم في حمايتهم وعلاجهم صحيا, وعن ذلك يقول: "الكثير من المعاقين توافيهم المنية لقلة الاهتمام وتفضيل الأهالي معالجة الأبناء الأسوياء بدلا منهم"، منوها إلى أن قلة الاهتمام لا ترجع دائما إلى جهل الأهالي فهناك نسبة لا بأس بها من المتعلمين وذوي الدخل الميسور يحرمون أبنائهم من ابسط الاحتياجات فيتركونهم فريسة لأهواء المجتمع ونظرة الآخرين.

ونصح أبو ناموس عبر سطور صفحات "الرسالة" الأهالي إلى رعاية أبنائهم وتحديد أهدافهم قبل طرق أبواب المؤسسات المعنية لمساعدتهم.

****** الضغوط النفسية

حينما تدق عقارب الساعة السادسة والنصف تحمل الطالبة "سجى. ك" حقيبتها المدرسية ومن ثم تمسك بعكازيها منطلقة إلى مدرستها الثانوية وتواصل منافسة زميلاتها المتفوقات رغم إصابتها بشلل نصفي وضعف بالبصر منذ الصغر.

كانت تجلس باستمرار ترسم مستقبلها الجامعي حتى أعلنت نتائج الثانوية وحصدت معدلا عاليا جعلها توقن أن أحلامها باتت تترجم على ارض الواقع ، إلا أن صدمتها كانت قاسية حينما طارت لوالدها لتعلمه أنها ستلتحق بالجامعة فما كان منه سوى نهرها مرددا:" بكفي فضايح تروحي بنظارتك وعكازك الجامعة كمان"، تلك الكلمات أدخلت الفتاة في حالة من العزلة إلى أن لجأت والدتها لعيادة علاج نفسي تمكنت من خلال الفريق العودة إلى حياتها بعد إقناع والدها.

البعض ينبذ المعاقين وينعتهم بكلمات بذيئة أو تدلل على مدى الاشمئزاز منهم ظانين أنهم لا احساس لديهم ، وعن مدى تأثر المعاقين من الناحية النفسية قال الاخصائي إسماعيل أبو ركاب:" شعور المعاق الدائم بالدونية يدفعه لتغيير حياته وسلوكياته وتبني أفكارا تدفعه للابتعاد عن الناس والإصابة بالوحدة والانطواء ، مبينا أن حالة العزلة ستصيبه بالاكتئاب وفقدان الثقة بنفسه وبالآخرين".

البعض يظن أـن غالبية المعاقين يشعرون بالنقص, وردا على ذلك أكد الأخصائي النفسي "أن كل ذي عاهة جبار" باعتبار أن الكثيرين منهم لا يشعرون بالنقص وذك يظهر جليا من خلال إبداعاتهم وتطوير أنفسهم باستمرار، منوها إلى أن بعضهم يعاني من النقص بسبب الضغوط النفسية والدور السلبي الذي تلعبه الأسرة والمجتمع نتيجة قلة الدعم.

ليس بالضرورة أن يولد الطفل معاقا فهناك حالات كثيرة لأطفال أصيبوا بإعاقات بعد الولادة بسبب إهمال ذويهم, فالشاب "اشرف. م" -22 عاما- تعرض بعمر التاسعة لمرض غريب أدى إلى حدوث اختلال بقدميه ، المرض الذي استهان فيه الأهل ساق الناس الى نبز ابنهم بلقب "الأعرج".

وخلال تواجد أشرف في أحد المراكز عند إعداد "الرسالة" تحقيقها استمعت إلى معاناته حيث قال بكلمات خجولة: "بعدما أصبت بالمرض وبات لدي مشاكل في المشي صدمت كثيرا حينما نادتني أمي بالأعرج وقتئذ سمعها اخواني وأصبحوا يقلدونها في حال أزعجتهم وبات اللقب يصاحبني أينما حللت".

وأضاف وهو يطأطئ رأسه خجلا خشية رؤية دمعته التي حاولت السقوط :" دائما تحدث مشاكل بيني وبين أقراني بالحارة بسبب مناداتهم لي بلقب أمقته ، لن اسامح أمي فهي السبب ".

وبين الأخصائي أن الكثير من الأهالي لهم دور في جرح مشاعر أبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال مناداتهم بألقاب مهينة، مشيرا إلى أن تكرار اللقب بين الأهل وأولاد الحارة يسبب للطفل وصمة تشعره انه منبوذ من المجتمع مما يدفعه إلى الانحراف النفسي والاجتماعي وتحدي المجتمع ليصبح مجرما.

وأرجع أبو ركاب أسباب تكوين شخصية المعاق السلبية إلى الأسرة مما يدفعه للانتقام عبر التلذذ في إيذاء المجتمع لشعوره بالإهانة.

وفيما يتعلق بأكثر فئات الإعاقة التي يتعرض هؤلاء المعاقين لعقاب أسرهم يرى - وفق متابعته لمثل تلك الحالات- ان أكثرهم عرضة هم المتخلفون عقليا وأصحاب الإعاقات الكاملة فالأهالي يخجلون من إظهارهم للمجتمع خشية أن تلحقهم الوصمة وكذلك بحكم طبيعة المجتمع الذي يرى حسب ثقافته أن الأمراض النفسية قد تورث مما يضطر الأهل لإخفائهم بعيدا عن الأعين.

        **** الاستغلال والتسول     

في إحدى البيارات النائية ولد طفل معاق لعائلة مزارعة حاولت التخلص منه لكنها فشلت ، وبعدما بلغ العامين تجرأت على ربطه بحبل إلى جانب الكلب ، وإذا جاءهم ضيف وضعوه على السطح خشية الفضيحة كما يدعون فيبدأ صغيرهم بالصراخ والنباح كما ينبح رفيقه "الكلب" ، وحينما يسأل الضيوف يرد ذووه "كلب ينبح ع السطح".

وخلال عملية مسح نفذتها المؤسسات المعنية بالمعاقين طرق أحد الباحثين برفقة زميله باب بيت المعاق فوجد فتى يبلغ الرابعة عشرة وبمجرد أن لمحهم بات يصرخ ويرفس بأرجله حتى كاد أن يقطع الجنزير وينقض عليهم .

حاول الباحثان الحديث إليه لكنه أصدر أصواتا غير مفهومة، وقتئذ أبلغ الشرطة واتخذت إجراءاتها حتى وضع الشاب في المكان المناسب وبعد مدة تحسنت حالته وبات الآن بعد ثلاث سنوات يتكلم ويفهم ما يطلب منه، بينما عائلته تم تأهيلها لاستيعاب ابنهم حتى استجابت وباتت معاملتها له أفضل من ذي قبل فربما كان إهمالها بدافع الخجل والجهل.

يذكر ان جمعية الحق في الحياة هي الحاضنة الوحيدة لمصابي متلازمة داون والتوحد وبعض المصابين بالتخلف العقلي..

البث المباشر