ليس سهلاً على كل عربي غيور متابعة الجدل (الإسرائيلي) الداخلي في أعقاب ظهور نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، حيث يمكن القول أن هذه النتائج أحيت الآمال في نفوس النخب (الإسرائيلية) الحاكمة والمثقفة بأن تسهم في تقليص الأضرار التي كانت (إسرائيل) تتوقعها من تفجر ثورات الربيع العربي.
لقد كان هناك إجماع بين النخبة (الإسرائيلية) على أن صعود مرشح الفلول أحمد شفيق للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وإمكانية فوزه بهذا الموقع يشكل نقطة تحول فارقة في ثورات الربيع العربي، وقد يفضي إلى تجنيب (إسرائيل) الكثير من المخاطر التي وضعت في عين الاعتبار بعد خلع مبارك.
استعادة الشراكة الاستراتيجية
إن أول ما تبادر لأذهان النخبة (الإسرائيلية) لدى تعليقها على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات المصرية حقيقة أن هذه النتائج تفتح المجال أمام استعادة (إسرائيل) أهم ذخر استراتيجي منحها إياها المخلوع حسني مبارك، وهو الشراكة الاستراتيجية مع مصر.
ولعل موشيه بوغي يعلون، نائب رئيس الوزراء (الإسرائيلي)، الذي شغل في الماضي منصب رئيس هيئة أركان الجيش قد فطن بعيد الإعلان عن نتائج الانتخابات في الجولة الأولى إلى القول أن صعود أي شخص يؤمن بالخط السياسي والاستراتيجي لمبارك يعني أن هناك احتمال أن تواصل مصر الشراكة الاستراتيجية مع (إسرائيل).
وأشار إلى أن هذه الشراكة تعد أهم ذخر تمتع الكيان الصهيوني بعوائده وفوائده على مدى حكم مبارك.
وهناك في (إسرائيل) من انبرى للإجابة على السؤال المتعلق بصور وأشكال الشراكة الاستراتيجية مع مصر، التي بات يؤمل على أن يسهم فوز شفيق بمنصب الرئاسة – في حال تحقق – في استعادتها.
ويضرب الجنرال المتقاعد، والباحث في " مركز أبحاث الأمن القومي (الإسرائيلي) رون تيرا مثالاً يوضح الدور الهائل للشراكة الاستراتيجية مع مصر في ظل نظام مبارك في تمكين الكيان الصهيوني من تحقيق أهداف كبيرة.
ويؤكد تيرا أن الشراكة الاستراتيجية مع (إسرائيل) التي تحمس لها مبارك منحت (تل أبيب) الظروف "المثالية" لشن حربي غزة 2008 وحرب لبنان الثانية 2006.
ولكي يوضح ما يذهب إليه، يقول تيرا إنه يسود إجماع بين صناع القرار ودوائر التقدير الاستراتيجي في (إسرائيل) على أنه في حال وصل أي شخص لكرسي الرئاسة المصرية من التيارات القومية أو الإسلامية أو الليبرالية، فإن قدرة (إسرائيل) على شن عدوان على الأطراف العربية ستتقلص إلى حد كبير.
ليس هذا فحسب، بل أن تيرا يشير إلى ما يجمع عليه تقريباً معظم الباحثين والمستشرقين الصهاينة من أنه فيما يتعلق بالموقف من (إسرائيل) فإنه لا يوجد فروق جوهرية بين العلمانيين والمتدينين في العالم العربي.
عوائد اقتصادية
ويرى بنيامين بن إليعازر، وزير الحرب (الإسرائيلي) الأسبق، الذي كان أقرب (الإسرائيليين) إلى قلب مبارك أن أحد أهم العوائد التي يمكن أن تحصل عليها (إسرائيل) في حال تم انتخاب شفيق كرئيس لمصر، هو أن تتراجع مصر عن قرار إلغاء صفقة بيع الغاز لـ(إسرائيل)، الذي اتخذ قبل شهرين.
بن إليعازر، الذي وصف يوماً مبارك بأنه ذخر إستراتيجي لـ(إسرائيل) يرى أنه سيكون من السهل على الإدارة الأمريكية إقناع شفيق بالعودة إلى تطبيع العلاقة مع (إسرائيل) واستعادة العمل بكل ما تم الاتفاق عليه في عهد مبارك، وضمنها اتفاقية بيع الغاز.
لكن مما لا شك فيه أن أكثر ما يمثل سبباً للإطمئنان لدى الصهاينة في حال تم انتخاب شفيق هو إن (إسرائيل) ستتراجع عن مخططاتها بإعادة بناء القوة العسكرية، سيما في كل ما يتعلق بإعادة إحياء القيادة الجنوبية للجيش (الإسرائيلي).
وقد تحدث وزير الخارجية (الإسرائيلي) أفيغدور ليبرمان مؤخراً بشكل واضح ان مصر بعد سقوط نظام مبارك قد تحولت إلى خطر يفوق الخطر الذي يمثله البرنامج النووي، وهذا ما يستدعي تدشين أربع فرق عسكرية والزج بها على الحدود مع مصر.
وقد قدرت محافل اقتصادية وعسكرية (إسرائيلية) الزيادة في الإنفاق العسكري لمواجهة تداعيات الثورة المصرية بثلاثين مليار دولار. ومن الواضح أنه لو أنفقت (إسرائيل) هذا المبلغ فسيفاقم الأزمة الاقتصادية لديها بشكل كبير.
إسدال الستار على الربيع العربي
ولا يتوقف الصهاينة عن إحصاء العوائد الاستراتيجية التي ستعود على كيانهم في حال فاز شفيق.
فعلى سبيل المثال يرى وزير التعليم الصهيوني جدعون ساعر أن فوز أحد أركان نظام مبارك برئاسة مصر في انتخابات ديمقراطية سيسهم في تحول جذري في الوعي الجمعي للعرب وقد يفضي إلى انحسار وتوقف موجات الربيع العربي.
وتنقل الإذاعة العبرية عن محافل في الاستخبارات العسكرية (الإسرائيلية) قولها: " أن صعود أحد أركان نظام للرئاسة في أول انتخابات ديمقراطية تجرى في مصر بعد الثورة سيؤثر على بقية الدول العربية ويقمع الرغبة في الثورة على أنظمة بقاؤها يمثل مصلحة استراتيجية لنا ".
منع بروز منظومة إقليمية جديدة
إن أكثر ما أصاب (إسرائيل) بالفزع في أعقاب تفجر الثورة المصرية وسقوط نظام مبارك هو احتمال أن تتجه مصر لقيادة تكتل إقليمي جديد يغير ظروف البيئة الاستراتيجية للكيان الصهيوني بشكل جذري.
ويرى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين، أن أكثر ما كان سيغير البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل في أعقاب سقوط مبارك هو أن ينشأ تحالف تقوده مصر ودولة إقليمية قوية، مثل تركيا، أو إيران، أو كلاهما معاً. ويستدرك يادلين قائلاً أنه في حال فاز شفيق، فإن مثل هذا السيناريو لن يكون مطروحاً للأبد.
يتضح مما تقدم أن لعاب الصهاينة قد سال في أعقاب انتقال أحمد شفيق للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الثانية في مصر، وجعلهم يراهنون على إمكانية عودة نظام مبارك مع كل ما يترتب عليه من عوائد استراتيجية عليهم.