حلت الثلاثاء الماضي الذكرى الخامسة والأربعين لهزيمة العام 1967، والتي غيرت مجرى الصراع بين الكيان الصهيوني الغاصب وبين العالم العربي. ففي 132 ساعة استطاع هذا الكيان الصغير أن يلحق الهزيمة بالعرب على ثلاث جبهات، وفي آن معاً، وعلى أثر ذلك تضاعفت مساحة الأرض العربية المغتصبة الى ثلاثة أضعاف، لينضم المزيد من الفصول الى سفر المعاناة الفلسطينية على وجه الخصوص.
لكن بعد أربعين عاماً على هذا الحدث الجلل، فأنه من المؤسف أن يبادر النظام العربي الرسمي المسؤول المباشر عن هذه الهزيمة، لإضفاء شرعية على النتائج التي أفضت إليها هذه الحرب. فهذا النظام يضغط على الفلسطينيين للتوافق مع (إسرائيل) حول تسويات تسمح لها بالاحتفاظ بجزء كبير من هذه الأرض التي أحتلت في هذه الحرب، وكأنه لا يكفي اغتصاب الحركة الصهيونية لأكثر من 78% من مساحة فلسطين التاريخية؛ ويطالبهم بالقبول ببقاء التجمعات الإستيطانية التي أقيمت على الأرض المحتلة؛ ناهيك عن تطوع بعض مكونات هذا النظام لتقديم صيغ تسمح لدولة الاحتلال عملياً بالاحتفاظ بسيطرتها على القدس؛ وتسدل الستار على مطالبة الفلسطينيين بحق العودة للاجئين.
ولا يكتفي النظام العربي الرسمي بذلك، بل أنه لا يتردد في مشاركة (إسرائيل) في معاقبة الأطراف الفلسطينية المقاومة للمشروع الصهيوني، وخير دليل على ذلك هو مشاركة هذا النظام في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني في أعقاب فوز حركة حماس، الى جانب توفر الكثير من الشواهد التي تؤكد أن بعض مكونات هذا النظام متورطة في مخططات لإفشال حماس واجبارها على مغادرة الحكومة.
ولكن مما لا شك فيه أن الذي يسمح للنظام العربي الرسمي أن يقدم على هذا السلوك هو طبيعته الشمولية الديكتاتورية التي لا تسمح بمطالبة رؤوس هذا النظام بتحمل مسؤولياتهم، وتفتح المجال لطرح الأسئلة المطلوبة، وتلقي الإجابات عليها. فمن الصدف أن تتزامن الذكرى الأربعين لحرب الأيام الستة مع التحقيقات التي تجريها اللجان (الإسرائيلية) في أوجه قصور جيش الاحتلال في الحرب الأخيرة ضد حزب الله.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن بحال من الأحوال مقارنة حرب (إسرائيل) ضد لبنان، بما أسفرت عنه حرب العام 67؛ إلا أنها أدت الى الإطاحة بالقيادة العسكرية (الإسرائيلية) وتوشك على الإطاحة بالقيادة السياسية. أما حسب منطق النظام العربي الرسمي، فأنه بإمكان المسؤولين عن الهزائم ليس فقط مواصلة تمتعهم بالحكم، بل ضمان بقاء ماكينزمات العمل التي تؤدي الى المزيد من الهزائم.
فنظراً لغياب أدوات رقابة فاعلة على هذا النظام، فأنه بدلاً من التزود بأسباب القوة التي تضمن تعزيز مكانته في معادلة الصراع مع الكيان الغاصب، لم يختر التسليم بالأمر الواقع فقط، بل أنه أصبح طرفاً أساسياً في التصدي لكل من يقاوم المشروع الصهيوني. اللافت للنظر هنا أن المسوغات التي حاول النظام العربي الرسمي بها إضفاء شرعية على توجهاته" السلامية " تجاه (إسرائيل) في أعقاب حرب العام 67، إنهارت في أعقاب القراءة (الإسرائيلية) لهذه الحرب. فعالم الاجتماع (الإسرائيلي) عوز الموغ يقول أنه من المحتم أن تندلع الحروب بين العرب و(إسرائيل)، لأن النزاع (الإسرائيلي) – العربي" نزاع بين حضارتين و ثقافتين متناقضتين تناقضا تاما، ولهذا فإن هذا النزاع شبيه بجبل بركاني نشط ينفجر من آن لآخر؛ توجد انفجارات نتائجها طفيفة وتوجد انفجارات تهز الارض وتحرك طبقاتها.
وكانت حرب الايام الستة كذلك"، على حد تعبيره. اذن المسألة ليست كما يحاول رؤوس النظام العربي إراحة نفسهم، وتصوير الأمر، وكأنه صراع قابل للحل في حال أبدى الفلسطينيون المزيد من التنازلات. والذي يدلل على القراءة العربية المغلوطة لسياقات حرب العام 67 ونتائجها، هو حقيقة أن المجتمع (الإسرائيلي) أصبح أكثر تطرفاً بعد هذه الحرب. والآن وبعد اربعة عقود على هذه الحرب، فإن استطلاعات الرأي العام في (إسرائيل) تؤكد أنه في حال اجريت الانتخابات التشريعية حالياً، فأنه ستشكل في (إسرائيل) الحكومة الأكثر تطرفاً، أي أن التوجهات الحمائمية الصادرة عن النظام العربي الرسمي، تواجه باستجابة معاكسة في الجانب الصهيوني.
والمفارقة أن النظام العربي الرسمي أخذ على نفسه محاربة أكبر مصدر للخطر واجه (إسرائيل) في أعقاب انتصارها الكبير، باعتراف (الإسرائيليين) أنفسهم.
وكما يقول المؤرخ (الإسرائيلي) الشهير بني موريس، فإن أكبر مصيبة واجهت (إسرائيل) في اعقاب انتصارها في حرب الأيام الستة، كان بلا شك تولي الحركات الإسلامية قيادة النضال ضد (إسرائيل) والمشروع الصهيوني. أما المستشرق (الإسرائيلي) شاؤول مشعال، فيقول أنه يتوجب على قيادات دولة (إسرائيل) " أن تشعر بالامتنان للأنظمة العربية التي تولت محاربة الحركات الإسلامية لا هوادة، معتبراً أن حرب الأيام الستة اسقطت الخيار القومي العلماني العربي، ليحل محله الخيار الإسلامي الذي يرفض التوافق بحال من الأحوال مع بقاء المشروع الصهيوني ".
لا يحتاج المرء لإضافة المزيد من الكلمات على ما قد قيل ليتبين حجم دور النظام العربي في الإبقاء على الظروف التي تسمح لـ(إسرائيل) بمواصلة عدوانها وصلفها، لأن كل ما يعني الأنظمة العربية ، هو العمل على تثبيت دعائم حكمها بغض النظر عن متطلبات الخروج من هذا الواقع البائس.