كلماتهم ساوت الروح ابان الحرب

الغصين وبرهوم ناطقان باسم الحياة والصمود

غزة- الرسالة نت

لا تزال ذاكرة الناطقين الرسميين مشحونة بالذكريات القاسية التي أصابتهم، كما هو حال الشعب الفلسطيني الذي تعرض لحرب ضروس طالت الأخضر واليابس قبل عام.

ولا يبدو هؤلاء الناطقون منفصلين عن إنسانيتهم، رغم إيقانهم الشديد بأن المعركة مع الاحتلال لم تكن ميدانية فحسب، بل وإعلامية أيضا.

وأعادت "الرسالة" عجلة الذكريات في أذهان الناطقين عاما كاملا إلى الوراء، فرووا تجاربهم التي وصفوها بالقاسية والصعبة.

*لم تكن سهلة

"منذ اللحظات الأولى للحرب بدأت أشعر أن المعركة ميدانية وإعلامية في ذات الوقت، لذلك كانت الصواريخ تتساقط وكنت أتنقل أمام الكاميرات لإيصال الرسائل للعالم"..هكذا وصف فوزي برهوم، المتحدث باسم حركة (حماس) تجربته خلال الحرب.

نسبة المخاطرة التي كان يعيشها برهوم يقيمها بـ"مئة بالمئة" لاسيما أنه قضى وقته متنقلا مشيا على الأقدام، ويقول :"مهمة التخفي عن الأعين لم تكن سهلة بالمطلق (..) كنا ندرك أن طمس معالم الإعلام في غزة خلال الحرب كما البيوت ربما سيحرف البوصلة لصالح العدو".

ويبدو أن موقف المتحدث باسم وزارة الداخلية إيهاب الغصين  كان مماثلا لموقف سابقه، إذ يقول :"كان مطلوب منا كإعلاميين التواجد بشكل دائم على الشاشة، خاصة أننا نمثل كوزارة داخلية، الناحية الأمنية، الأمر الذي يتوجب الحفاظ على الأمن في الجبهة الداخلية ورفع معنويات الشعب الفلسطيني".

ويستذكر الناطقان مواقف حصلت معهما وصفاها بالمغامرة، خاصة وأنهما عملا معا لوقت محدود في بداية الحرب.

ويقول برهوم :" في اليوم الثاني للحرب عقدت مؤتمرا صحفيا، لكني فوجئت وأثناء تلاوة البيان الصحفي أنه لا يوجد أمامي سوى الكاميرات وجهاز البث، وفي ختام البيان تلفت يمينا ويسارا فلم أجد أحدا".

ويتابع المتحدث باسم حماس قوله: "بعض الإعلاميين كان يرتجف حين يجري مقابلة معنا خلال الحرب، في حين أن البعض كان ينتظر أن تنقلب الأمور وتنتهي حماس ومنعنا من دخول مؤسسته لعقد المؤتمرات والتواصل مع العالم، وكأن هناك قرارا بإخماد صوت حماس".

فيما يستذكر الغصين اللحظات الأولى لبدء الحرب، وهو كان في ذلك الحين يجلس مع وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام في مكتبه ويتبادلان الحديث عن المستقبل المتوقع، مؤكدا أن صيام أخبره أنه تلقى تطمينات تفيد أن جهودا مبذولة لاستمرار التهدئة التي كانت حاصلة في قطاع غزة في ذلك الوقت، "هذه التطمينات كانت جزءا من المؤامرة" كما يقول.

ويضيف الغصين محاولا العودة عاما كاملا  إلى الوراء :"خرجت من مكتب الوزير متجها لمقر الصحفيين(..) أتذكر أنه لا يوجد دقيقة واحدة إلا وخرجت فيها على الهواء في ذاك اليوم، قضيت الوقت منذ الساعة الحادية عشر والنصف وحتى الثانية فجراً متنقلا على شاشات الفضائيات".

وحاول الغصين الحصول على قسط من الراحة، فيقول: "نمت أنا وفوزي برهوم المتحدث باسم حركة حماس، ساعة واحد فقط في مكان مكشوف، ولم نكن نرغب بالذهاب للبيت حتى نبقى على الساحة الإعلامية".

وتبادل الغصين الدور هو وبرهوم في عقد المؤتمرات الصحفية.

*مؤتمر وضربة

ويمتزج حديث الغصين بالجد والهزل، وهو يتحدث عن حادثة تزامن عقده لمؤتمر صحفي في اليوم الثالث للحرب في برج الجوهرة وسط غزة، مع قصف جوي قوي ، أدى لانقطاع المؤتمر، مما جعل احد مذيعي الإذاعات المحلية يقول "يبدو أن المتحدث باسم وزارة الداخلية إيهاب الغصين قد استهدف".

وتنطوي الحركة خلال الحرب بالنسبة للناطقين الإعلاميين، على خطورة بالغة، حيث  أكدا أن الفلسطينيين كانوا جميعا مستهدفين.

ويقول برهوم: "كانت نسبة الاستهداف مئة بالمئة ولكننا عملنا بكل روح وطنية وحملنا أرواحنا على أكفنا لأننا نعلم أن صواريخ الاحتلال لن ترحم (..) كل شيء كان صعبا..أن تكتب بيانا صحفيا أمر صعب وأن تخرج للفضائيات أيضا أمر صعب وأن تتواصل مع القيادة أمر شبه مستحيلا".

وتبدو الاحتياطات الأمنية بالنسبة للناطقين الإعلاميين أمرا ضرورياً، حيث تحرك الغصين بين الأزقة لإيصال الرسائل، كما قال، مشيرا إلى  أنه اضطر إلى التخفي خمسة أيام كاملة بفعل القصف المتواصل، لكنه استمر في تواصله مع وسائل الإعلام عبر رسائل الهاتف النقال.

ولفت  المتحدث باسم الداخلية إلى  أنه كان يتواصل بشكل غير مباشر مع وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام، كاشفا أنهم كانوا يحضرون لعقد مؤتمر صحفي تسجيلي لصيام يبث عبر الفضائيات خلال الحرب، ليوصل رسالة تطمين للشعب الفلسطيني مفادها أن قادته دوما إلى جنبه، "لكن العدو قطع الطريق علينا واغتاله قبل يوم واحد من بث المؤتمر" وفق قوله.

وللتخفي عن الأنظار، كان الغصين يضع الكوفية على رأسه، ويقول: "في إحدى المرات كنت خارجا منفردا، فإذ بسيارة تقف بجانبي وبعد أن سرت قليلا ترجل من السيارة عدد من الصحفيين، وطلبوا عقد مقابلة بشكل سريع، في وقت كان فيه الجو ملبدا بالطيران والقصف متواصلا، واضطررنا لذلك".

فيما يؤكد برهوم أنهم لم ينقطعوا ولو للحظة عن الإعلام، قائلا: "كنا نرتب المواقف ونجحنا في بث تسجيلات لرئيس الوزراء إسماعيل هنية وكذلك للدكتور محمود الزهار، كما أن قيادة حماس في الخارج خاضت التجربة وكانت معنا ولم ينقطع الاتصال فيما بيننا".

وفي إعادته لعجلة الذاكرة للخلف، يقول برهوم "اذكر أنني في اليوم الأول للحرب البرية على غزة جلست وكتبت بيان النصر وألقيته من فوق جبل الريس بعد اندحار آخر جندي عنه..هذا دليل اكبر على أننا متاكدون من الانتصار".

*إعلام مقاومة

وفي مدحه لإعلام حركته قال برهوم: "إعلام حركة حماس هو إعلام مقاومة استطاع أن يغير المعادلة..غيرنا المعادلة ميدانيا وإعلاميا".

ويصف برهوم وصوله نبأ إصابة نجله بهاء أثناء العدوان، بالأمر القاسي، قائلا: "كنت اتلو بيانا صحفيا فبلغني خلال المؤتمر إصابة ابني بهاء الذي فقد عينه وجزء من ساقه، لكني واصلت تلاوة البيان بكل قوة (..) الموقف زادني قوة في الخطاب وكان لربما البيان الأقوى خلال الحرب".

ومن بين التجارب التي مر بها برهوم والتي رأى أنها تؤسس لواقع فلسطيني يعول عليه مستقبلا، وهي مكوثه أيام وليالي في بيت يمتلكه مواطن ينتمي لحركة فتح.

وقال المتحدث باسم حماس: "لم أتردد عندما فتح لي باب بيت من بيوت أبناء حركة فتح ومكثت فيه أيام بلياليها.. شعبنا وفصائلنا الوطنية فيها الكثير مما ينتمون للوطن، وهذا ما أعطاني مؤشرا أن الوحدة الوطنية باقية وأنهم يلتصقون بالصف الوطني كثر ".

 

البث المباشر