غزة-خاص الرسالة نت
لم يكن الصراع الجلي الدائر على أرض قطاع غزة قبل عام (خلال الحرب) يقف عند حدود المواجهة العسكرية بين الجيش "الإسرائيلي" ورجال المقاومة الفلسطينية فحسب، بل إن ظاهرة الجواسيس كانت أيضا إحدى أبرز أشكال الصراع الخفي.
وعمدت الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية قبيل حرب غزة، إلى جمع وحصر المعلومات الكافية عن القطاع لحسم المعركة امنيا قبل شن الحرب العسكرية، لكن مطلعين أكدوا إخفاق العديد من هذه المحاولات.
ولم تكن لنتائج الحرب العسكرية الإسرائيلية أن تحسب على الأرض، بعيدا عن أبعادها الأمنية، خاصة أن الأجهزة الأمنية في غزة استطاعت إلقاء القبض على العديد من العملاء المتورطين في التخابر مع الاحتلال، فضلا عن قيام الأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية بتصفية عدد منهم سقطوا متلبسين أثناء الحرب.
إدارة اللعبة
ويتبين من خلال المعلومات المدرجة في ملفات جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة، أن كافة أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأجهزة المتحالفة معها للقضاء على المقاومة الفلسطينية، حاولت جمع المعلومات وتحديد الأهداف، وتجنيد المخبرين، قبل شن الحرب على القطاع، وذلك حتى تتمكن من إدارة قواعد اللعبة بشكل دقيق.
وبعد عام من الحرب يكشف "أبو عبد الله" وهو مدير في جهاز "الأمن الداخلي" التابع للحكومة الفلسطينية في غزة، لـ"الرسالة نت" عن أن مهام العملاء خلال الحرب انقسم إلى ثلاثة : أولهما العمل الاستباقي القائم على تهيئة الوضع العام لضرب غزة من خلال الإشاعات وتحصيل المعلومات عن أماكن رجال المقاومة ومقرات الأجهزة الأمنية البديلة.
وأشار أبو عبد الله إلى أن المهمة الثانية تمثلت في العمل الملازم أثناء الحرب، من خلال مشاركة بعض العملاء في العمليات العسكرية مع القوات الخاصة على الحدود الشرقية للقطاع وفي مواقع التماس مع المقاومة، إضافة إلى التقاط بعض المعلومات الأمنية التي يتلفظ بها بعض المواطنين دون دراية "كأن يقال أن القصف بحمد الله لم يصب بيتا كان مخزنا للسلاح وإنما أصاب البيت المجاور، أو أن القيادي فلان نجا من قصف استهدف المنزل الذي تواجد به"، كما قال.
والمهمة الثالثة من مهام (العملاء) نفذت عقب الحرب، حيث يقول أبو عبد الله: "إن العملاء حاولوا إشاعة أن الانتصار كان حليف الاحتلال وأن العدو هزم كل مقومات المقاومة في المجتمع الفلسطيني، وذلك للتغطية على فشله في تحقيق أهدافه".
وحاولت "إسرائيل" خلال حربها استئصال العمل الأمني في القطاع من خلال ضربها لكافة المقرات الأمنية المعلومة منها والخفية.
ويقول المدير في جهاز الأمن الداخلي :"كان الهدف من الحرب هو عدم استقرار الوضع الأمني وتحريك الجماهير ضد الحكومة في القطاع، وبالتالي فان عدم وجود أجهزة أمنية ضابطة للشارع اعتمادا على زعم الاحتلال، سيؤدي إلى نتائج أفضل على اعتبار أن الجماهير تنضبط بالأجهزة الأمنية ولكننا نؤكد أن الجماهير عندما ضربت الأجهزة الأمنية في غزة التفت حول الحكومة وساعدت الأجهزة في أداء مهامها".
تسخير الإمكانات
ويبدو أن إعلان الاحتلال بأن الهدف من عملية "الرصاص المصبوب" هو استعادة الجندي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية "جلعاد شاليط" لم يكن مجرد شعار، حيث سخر كافة إمكاناته للبحث عنه.
ويؤكد أبو عبد الله لـ"الرسالة نت" أن "إسرائيل" حاولت إنهاء ملف "شاليط" حتى لو كان بقتله، "لذلك كل موقع أمني ظاهر للعيان أو قد يستفيد منه أفراد الأجهزة الأمنية عند الإخلاءات تم ضربه على أساس شل الإمكانيات ومقومات أي عمل امني في القطاع" حسبما قال.
وعلى الرغم من المعلومات التي استطاع جهاز "الشباك" الصهيوني توفيرها عن قطاع غزة على كافة الأصعدة، من خلال (الطابور الخامس)، إلا أن هذه المعلومات لم تكن دقيقة، ويستدل أبو عبد الله على ذلك بقوله: " يظهر من الضربة أن الاحتلال لم يكن لديه وعي تام بما يقوم به من قصف للمؤسسات الأمنية، لان الضربة الأولى استهدف خلالها الكثير من المواقع التي ليست لها علاقة بالبعد الأمني".
وأضاف "نؤكد أن المعلومات التي وصلت الاحتلال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر تبين أنها لم تكن دقيقة لأنه استهدف منازل مواطنين آمنين، وكذلك سيارات آمنة (..) الضربة التي أثرت حقيقة هي التي استهدفت فيها أكاديمية الشرطة في أولى الغارات الجوية".
وكشفت مصادر أمنية مطلعة لـ"الرسالة نت" أن فشل الاحتلال الاستخباري الذريع دفعه إلى الضغط على عملائه للتحرُّك، وهو ما جعل غالبية هؤلاء يسقطون في دائرة المتابعة من أجهزة الأمن والفصائل التي قامت بتصفية عددٍ منهم، مؤكدة أن عنوان نجاح أجهزة الأمن والمقاومة هو فشل الاحتلال في ضرب الأهداف الخفية للمقاومة وقادتها بصورةٍ كبيرةٍ، إلى جانب سقوط هذا العدد الكبير من العملاء.
وكان نحو 20 عميلاً قُتلوا خلال حرب "الفرقان"، سواء كانوا معتقلين ومحكومًا عليهم بالإعدام أو آخرين تم ضبطهم في حالات تلبُّس من قِبَل فصائل المقاومة.
ونجحت وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية، وفق ما أعلن الناطق باسمها إيهاب الغصين- في تصريحاتٍ سابقةٍ- في كشف العديد من شبكات العملاء خلال الحرب وبعدها، وتم اعتقال مجموعات خطيرة منهم.
ووفق معلومات مسربة فإن المقاومة الفلسطينية استطاعت تجنيد عدد من العملاء المزدوجين للعمل لصالحها؛ بعد أن كانوا قد وقعوا في شباك العدو.
ونفى أبو عبد الله أن يكون جهازه قد واجه صعوبات في الكشف عن أطراف الخيوط الموصلة إلى (العملاء) ومتابعة المشتبه بهم، عقب قصف مقراته، وقال :"رجال الأمن يستمتعون في العمل حتى في أصعب الظروف، وعندما قصفت المقرات وعملنا في الميدان لم نواجه صعوبات".
لم تحافظ عليهم
وتابع المدير الأمني قوله :"المخابرات الصهيونية لم تحافظ على عملائها وإنما حافظت على أرواح جنودها (..) وقت الحرب وظروفها كثفت الصورة المشبوهة لبعض العملاء مما ساعد أفراد الأجهزة الأمنية على تحديد هؤلاء العملاء".
في سياق متصل وصف المدير في جهاز الأمن الداخلي، دور السلطة الفلسطينية في رام الله بالمشبوه، قائلا:"أؤكد أن أجندة المعلومات التي كانت مطلوبة من قبل العميل كانت موجودة لدى عناصر الأجهزة الأمنية السابقة التي تتواصل ضمن توجيهات من رام الله، وزعموا أن لديهم معلومات عن المقاومين ومخازن السلاح وتصنيعه ونقاط إطلاق الصواريخ، وأؤكد أيضا أنه من بين توجيهات رام الله البحث عن شاليط".
وأردف: "هؤلاء عملوا كالعملاء لكن للأسف ضمن توجيهات فلسطينية". وعبر أبو عبد الله عن أسفه لما اسماه "ازدياد وضع حركة فتح سوءا بعد مرور عام على الحرب، لصالح أجندة الاحتلال"، مذكرا بتصريحات عضو اللجنة المركزية لفتح عزام الاحمد والتي دعا فيها للعصيان المدني في قطاع غزة.
وقال أبو عبد الله ""كثير من توجهات القيادة المنتخبة للجنة المركزية لفتح تدلل أنها توجهات أمنية في قطاع غزة وتم ضبط بعض الناس يعملون لصالح هذه التوجهات"، مضيفا :"فشل المصالحة قد يكون له علاقة بتوجهات فتح وهو أن الحل الأمني قد يكون مفضلا بالنسبة لها، خاصة أن هذا الحل يحظى بتأييد من قبل الاحتلال".
ورغم أن جهاز الأمن الداخلي هو وليد فترة زمنية قصيرة، كما يقول أبو عبد الله، لكنه يمتلك كما كبيرا من المعلومات والمسح الأمني للمجتمع الفلسطيني وتحديد نقاط الضعف والقوة.
وبين أنه ومنذ أن شنت الحرب على القطاع، قام جهاز الأمن الداخلي بتحديد نقاط الضعف وتوقيفها أو محاولة الإمساك بها، مشيرا إلى أنهم اتخذوا الإجراءات الأمنية اللازمة بحق العناصر المشبوهة، "كالإقامة الجبرية ومنع التجوال في ساعة محددة من الليل لضمان سلامة المواطنين".
في الوقت ذاته بين لـ"الرسالة نت" أن هناك مساعي من قبل مخابرات أجنبية وعربية للحصول على المعلومات التي تتعلق بمقومات الصمود للحكومة في قطاع غزة وأين يكمن عمل المقاومة .
وأوضح المدير الأمني أنهم وضعوا هذه المعلومات أمام قيادة جهاز الأمن الداخلي ومن ثم القيادة السياسية، مبينا أن التعامل مع مثل هذه القضايا يختلف حسب الظرف، على حد قوله.